للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَوْ قَالَ الْمُقِرُّ كَمَا بُيِّنَ سَالِفًا: إنَّنِي قَصَدْتُ مِنْ ذَلِكَ الْحَقِّ حَقَّ الْإِسْلَامِ فَلَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْعُرْفِ أَيْ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ هَذَا الْمَعْنَى عُرْفًا مِنْ لَفْظِ (كَلِمَةِ الْحَقِّ) فَلِذَلِكَ يَكُونُ هَذَا الْبَيَانُ رُجُوعًا عَنْ الْإِقْرَارِ.

إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ إذَا حَصَلَ الْبَيَانُ مَوْصُولًا كَقَوْلِهِ: إنَّ عِنْدِي لِفُلَانٍ حَقًّا هُوَ حَقُّ الْإِسْلَامِ فَيَكُونُ صَحِيحًا أَمَّا إذَا وَقَعَ مَفْصُولًا فَلَا يَكُونُ بَيَانُهُ صَحِيحًا، وَيَجْرِي عَلَى بَيَانِ الْمُقَرِّ بِهِ.

وَعِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ الْآخَرِينَ أَنَّ هَذَا الْبَيَانَ غَيْرُ صَحِيحٍ سَوَاءٌ وَقَعَ مَفْصُولًا، أَوْ مَوْصُولًا وَيُعَدُّ رُجُوعًا عَنْ الْإِقْرَارِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ وَالْكِفَايَةُ وَابْنُ عَابِدِينَ عَلَى الْبَحْرِ وَالْبَحْرُ وَالزَّيْلَعِيّ) .

لَكِنْ إذَا بَيَّنَ الْحَقَّ الْمَجْهُولَ بِشَيْءٍ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ، أَوْ حَقِّ الْمُرُورِ فَاللَّائِقُ أَنْ يُصَدَّقَ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .

كَذَلِكَ لَوْ ادَّعَتْ زَوْجَةُ الْمُتَوَفَّى كَذَا دِرْهَمًا مِنْ تَرِكَةِ الْمُتَوَفَّى فَقَالَ الْوَرَثَةُ: إنَّ مُورَثَنَا مَدِينٌ لِلْمُدَّعِيَةِ مِنْ جِهَةِ صَدَاقِهَا إلَّا أَنَّنَا لَا نَعْلَمُ مِقْدَارَهُ فَيَكُونُ هَذَا الْإِقْرَارُ صَحِيحًا، وَيُجْبَرُ الْوَرَثَةُ عَلَى بَيَانِ مِقْدَارِهِ.

كَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَحَدٌ فِي بَلْدَةٍ يُتَدَاوَلُ فِيهَا دَنَانِيرُ مُتَنَوِّعَةٌ بِأَنَّهُ مَدِينٌ بِكَذَا دِينَارًا فَيُجْبَرُ الْمُقِرُّ عَلَى بَيَانِ الدِّينَارِ الْمَدِينِ بِهِ.

أَمَّا فِي الْبَيْعِ فَيُصْرَفُ إلَى الدِّينَارِ الْأَكْثَرِ رَوَاجًا كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (٢٤٠) (ابْنُ عَابِدِينَ عَلَى الْبَحْرِ) .

وَلَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ أَنَّ الْبَيْعَ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ يَفْسُدُ فَلِلتَّصْحِيحِ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَرْوَجِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ يَصِحُّ.

وَفَاةُ الْمُقِرِّ قَبْلَ الْبَيَانِ.

يُجْبَرُ الْمُقِرُّ عَلَى الْبَيَانِ كَمَا بُيِّنَ آنِفًا إلَّا أَنَّهُ إذَا تُوُفِّيَ الْمُقِرُّ قَبْلَ الْبَيَانِ يُرْجَعُ إلَى وَرَثَتِهِ، فَإِذَا فَسَّرَ وَبَيَّنَ الْوَرَثَةُ الْحَقَّ الْمُقَرَّ بِهِ، وَقَبِلَ الْمُقَرُّ لَهُ ذَلِكَ يُحْكَمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.

أَمَّا إذَا قَالَ الْوَرَثَةُ: إنَّنَا نَجْهَلُ الْمُقَرَّ بِهِ الْمَجْهُولَ، فَمَاذَا يَجِبُ عَمَلُهُ؟ وَبِمَا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ بِأَنَّ الْوَرَثَةَ يَجْهَلُونَ الْمُقَرَّ بِهِ فَخَبَرُهُمْ عَلَى الْبَيَانِ يُؤَدِّي إلَى إجْبَارِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ بِعِلَاوَةٍ) .

لَا يَكُونُ بَيَانُ الْمَجْهُولِ بَعْضًا أَقَلَّ مِنْ الْمِقْدَارِ الْمُعَيَّنِ - إنَّ الْإِقْرَارَ الَّذِي يَحْصُلُ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ بِبَعْضِ الْأَلْفَاظِ لَا تَصْدُقُ عَلَى مَا دُونَ مِقْدَارِهَا الْمُعَيَّنِ - مَثَلًا لَوْ قَالَ لَهُ؛ عَلَى مَالٍ فَلَا يَصْدُقُ بِأَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ مِنْ فِضَّةٍ كَمَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَى مَالٍ عَظِيمٍ، فَلَا يَصْدُقُ بِأَقَلَّ مِنْ نِصَابِ الزَّكَاةِ فِي حَالَةِ بَيَانِهِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.

وَأَمَّا إذَا بَيَّنَهُ مِنْ الْجِمَالِ فَلَا يَصْدُقُ بِأَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ جَمَلًا، وَإِذَا بَيَّنَهُ بِغَيْرِ مَالِ الزَّكَاةِ فَلَا يَصْدُقُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ نِصَابِ الزَّكَاةِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِقْرَارَاتِ الْمَجْهُولَةَ الَّتِي تَقَعُ بِمِثْلِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ تُفَسَّرُ بِصُورَةٍ مُخْتَلِفَةِ الْمِقْدَارِ حَسَبَ مَدْلُولِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ) .

وَأَمَّا لَوْ قَالَ أَحَدٌ: إنَّنِي ابْتَعْت مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا أَوْ بِعْته سَهْمًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرَ مَعْلُومِ الْمِقْدَارِ أَوْ قَالَ: اشْتَرَيْت دَارَ فُلَانٍ بِشَيْءٍ، أَوْ اسْتَأْجَرْتُهَا أَوْ أَجَرْتُ فُلَانًا شَيْئًا أَوْ اسْتَأْجَرَ مِنْهُ شَيْئًا فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ لِكَوْنِ تِلْكَ الْعُقُودِ لَا تَصِحُّ مَعَ الْجَهَالَةِ، وَلَا يُجْبَرُ الْمُقِرُّ عَلَى تَسْلِيمِ شَيْءٍ مَا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) فَلِذَلِكَ لَا يُجْبَرُ الْمُقِرُّ عَلَى بَيَانِ مَا بَاعَهُ، أَوْ بَيَانِ بَدَلِ الدَّارِ الَّتِي اشْتَرَاهَا، أَوْ بَدَلِ إيجَارِهَا، أَوْ عَلَى بَيَانِ الشَّيْءِ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>