للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْآخَرِ كَانَ إقْرَارُهُ الثَّانِي صَحِيحًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ وَالزَّيْلَعِيّ) ؛ لِأَنَّ سُكُوتَ الْمُقَرِّ لَهُ الْحَاضِرِ قَبُولٌ ضِمْنِيٌّ فَلِذَلِكَ يُصْبِحُ ذَلِكَ الْمَالُ بِالْإِقْرَارِ وَاقِعًا بِالْمُقَرِّ لَهُ.

أَمَّا الْغَائِبُ فَحَيْثُ لَا يُتَصَوَّرُ سُكُوتُهُ وَقَبُولُهُ الضِّمْنِيُّ فَلَا يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ الْغَائِبُ بِالْمُقَرِّ بِهِ.

وَلَكِنْ يَرْتَدُّ الْإِقْرَارُ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ، وَلَا يَبْقَى لَهُ حُكْمٌ أَيْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْقَبُولُ وَالتَّصْدِيقُ بَعْدَ الرَّدِّ.

اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (٥١) ، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يُقْبَلُ مِنْ الْمُقِرِّ الْإِثْبَاتُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ حَقَّهُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْ وَجْهٍ إنْشَاءٌ، وَلَيْسَ بِإِخْبَارٍ، وَمِنْ وَجْهٍ أَنَّ الْمُتَضَمِّنَ تَمْلِيكَ الْمَالِ قَابِلٌ لِلرَّدِّ كَالْإِقْرَارِ.

أَمَّا مَا لَا يَتَضَمَّنُ تَمْلِيكَ الْمَالِ فَرَدُّهُ غَيْرُ قَابِلٍ كَإِبْطَالِ الشُّفْعَةِ وَكَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ وَالدُّرُّ الْمُخْتَارُ) .

مَثَلًا؛ لَوْ أَقَرَّ أَحَدٌ بِأَنَّهُ مَدِينٌ لِآخَرَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَرَدَّ ذَلِكَ الْآخَرُ هَذَا الْإِقْرَارَ بِقَوْلِهِ: لَسْت مَدِينًا لِي بِشَيْءٍ ثُمَّ صَدَّقَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إنَّك مَدِينٌ لِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَا يَصِحُّ تَصْدِيقُهُ (الزَّيْلَعِيّ) .

حَتَّى إنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَحَدٌ دَيْنًا مِنْ وَارِثٍ، وَأَبْرَزَ سَنَدًا حَاوِيًا إقْرَارَ الْمُورَثِ وَدَفَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْوَارِثُ دَعْوَى الْمُدَّعِي بِقَوْلِهِ: إنَّ الْمُقَرَّ لَهُ الْمُدَّعِي قَدْ رَدَّ الْإِقْرَارَ، وَطَلَبَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ عَلَى ذَلِكَ فَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي (صُرَّةُ الْفَتَاوَى) .

مُسْتَثْنًى - إنَّ صِحَّةَ رَدِّ الْإِقْرَارِ هُوَ فِي حَالَةِ إبْطَالِ الْمُقَرِّ لَهُ حَقَّهُ بِرَدِّ الْإِقْرَارِ.

أَمَّا إذَا كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ يُبْطِلُ بِهَذَا حَقَّ الْغَيْرِ فَلَا حُكْمَ لِلرَّدِّ.

مَثَلًا لَوْ قَالَ أَحَدٌ: إنَّنِي بِعْت فَرَسِي بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ لِفُلَانٍ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: إنَّنِي لَمْ أَشْتَرِ مِنْك شَيْئًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: إنَّنِي اشْتَرَيْتُهَا مِنْك بِذَلِكَ الثَّمَنِ فَيَكُونُ الْبَيْعُ لَازِمًا؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ قَدْ أَنْكَرَ الْبَيْعَ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ، وَالْحَالُ أَنَّ جُحُودَ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ.

أَمَّا لَوْ رَدَّ الْمُقَرُّ لَهُ الْإِقْرَارَ بِقَوْلِهِ: لَمْ أَشْتَرِ مِنْكَ شَيْئًا وَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ الْمُقِرُّ بِقَوْلِهِ: إنَّنِي فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ أَبِعْكَ ثُمَّ قَالَ الْمُشْتَرِي: إنَّنِي اشْتَرَيْتُهُ مِنْكَ فَلَا يَثْبُتُ الشِّرَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى، وَلَوْ أَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَدْ تَمَّ الْفَسْخُ بِجُحُودِ الْعَاقِدَيْنِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .

أَمَّا إذَا قَبِلَ الْمُقَرُّ لَهُ الْإِقْرَارَ، وَصَدَّقَهُ فَلَا يَرْتَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ بِالرَّدِّ لِأَنَّهُ فِي هَذَا الْحَالِ قَدْ أَصْبَحَ الْمُقَرُّ بِهِ مِلْكًا لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَنَفْيُ الْمَالِكِ الْمِلْكَ عَنْ نَفْسِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُنَازَعِ لَا يَصِحُّ، وَلَكِنْ لَوْ تَصَادَقَ عَلَى عَدَمِ الْحَقِّ صَحَّ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .

مَثَلًا: لَوْ أَقَرَّ الْمُقِرُّ لِأَحَدٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: لَيْسَ لِي عِنْدَك دَيْنٌ فَيُرَدُّ الْإِقْرَارُ الْمَذْكُورُ، وَيَسْقُطُ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ بِمُطَالَبَةِ الْمُقِرِّ، وَلَكِنْ إذَا رَدَّ الْمُقَرُّ لَهُ الْإِقْرَارَ بَعْدَ أَنْ صَدَّقَ الْمُقِرَّ بِقَوْلِهِ: إنَّكَ مَدِينٌ لِي فِي الْحَقِيقَةِ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَلَا يُرَدُّ الْإِقْرَارُ كَمَا أَنَّهُ إذَا كَرَّرَ الْمُقِرُّ الْإِقْرَارَ بَعْدَ الرَّدِّ وَأَعَادَهُ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ الْمَذْكُورُ اسْتِحْسَانًا، وَيَكُونُ لَازِمًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ هُوَ الْأَخِيرُ.

وَقَدْ وَرَدَ فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ أَنَّهُ إذَا أَعَادَ الْمُقِرُّ الْإِقْرَارَ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: أَجَلْ، يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَهُ فِي الْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ فَبَطَلَ وَانْعَدَمَ وَصَدَّقَهُ فِي الْإِقْرَارِ الثَّانِي فَاعْتُبِرَ وَانْبَرَمَ.

وَلِأَنَّهُ احْتَمَلَ أَنَّ الْمَالَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ فَبَطَلَ بِالتَّكْذِيبِ وَانْعَدَمَ، وَكَانَ وَاجِبًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ الثَّانِي فَلَزِمَ بِالتَّصْدِيقِ وَانْبَرَمَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>