للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْكِتَابَةِ فَلِذَلِكَ لَا يَحْلِفُ الدَّائِنُ، وَيَلْزَمُهُ أَدَاءُ ذَلِكَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا السَّنَدَ هُوَ عَادَةً حُجَّةٌ، وَغَيْرُ مُمْكِنٍ إنْكَارُ الْمَبْلَغِ الَّذِي يَحْتَوِيهِ وَيُعَدُّ الْمُنْكِرُ لَهُ مُكَابِرًا (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .

فَعَلَيْهِ إذَا قَالَ: إنَّ الْخَتْمَ لِي، وَإِنَّنِي خَتَمْتُهُ فَلَا يَبْقَى شَائِبَةُ تَزْوِيرٍ، مَثَلًا لَوْ حَصَلَتْ مُعَامَلَةُ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ مُدَّةً ثُمَّ أَجْرَيَا مُحَاسَبَةً بَيْنَهُمَا فَظَهَرَ أَنَّ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ دَيْنًا كَذَا دِرْهَمًا فَأَعْطَى الْمَذْكُورُ سَنَدًا عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ مَدِينٌ بِكَذَا دِرْهَمًا فَلَيْسَ لِلْمَدِينِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ اعْتِرَافِهِ بِالسَّنَدِ: إنَّهُ حَصَلَ خَطَأٌ فِي مُحَاسَبَتِنَا فَلْنُعِدْ الْحِسَابَ بَيْنَنَا بَلْ يُؤْمَرُ بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ كَمَا فِي السَّنَدِ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لِمَنْ أَقَرَّ (الدُّرَرُ) إلَّا أَنَّهُ إذَا رُئِيَتْ مُحَاسَبَةٌ بَيْنَ شَرِيكَيْ تِجَارَةٍ فَظَنَّتْ اللَّجْنَةُ الَّتِي رَأَتْ الْحِسَابَ بِأَنَّهُ صَوَابٌ فَرَضِيَ الشَّرِيكَانِ بِالْحِسَابِ إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ إجْرَاءِ الْمُحَاسَبَةِ مِنْ لَجْنَةٍ أُخْرَى تَبَيَّنَ خَطَأُ الْحِسَابِ الْأَوَّلِ فَيَجِبُ حِينَئِذٍ الرُّجُوعُ إلَى الصَّوَابِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .

أَمَّا إذَا كَانَ السَّنَدُ الَّذِي كَتَبَهُ أَحَدٌ، أَوْ اسْتَكْتَبَهُ غَيْرَ مَرْسُومٍ فَلَا يَلْزَمُ إيفَاؤُهُ، وَلَوْ أَقَرَّ صَاحِبُهُ بِهِ مَا لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّتِهِ، كَكِتَابَةِ سَنَدٍ عَلَى الْحَائِطِ، أَوْ عَلَى وَرِقِ الشَّجَرِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَمَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .

قِيلَ (بِدُونِ تَحْلِيفِ الدَّائِنِ) ، وَإِنْ يَكُنْ أَنَّ صَاحِبَ التَّنْقِيحِ قَالَ: إنَّهُ يُحْكَمُ لِلْمُقَرِّ لَهُ بَعْدَ تَحْلِيفِهِ عَلَى أَخْذِ الْمُقِرِّ الْمَبْلَغَ الْمَذْكُورَ فِي السَّنَدِ إلَّا أَنَّهُ يُوجَدُ فِي رَدِّ الْمُحْتَارِ قَيْدٌ كَهَذَا.

وَمَعَ ذَلِكَ فَالْيَمِينُ لَا يَكُونُ لِلْإِثْبَاتِ بَلْ يَكُونُ أَبَدًا لِلنَّفْيِ وَعَلَى ذَلِكَ فَبَيَانُ التَّنْقِيحِ الْمَارُّ ذِكْرُهُ لَا يُوَافِقُ أَحْكَامَ الْفِقْهِ، وَلَعَلَّ مَقْصُودَ صَاحِبِ التَّنْقِيحِ بِأَنَّ الْمَدِينَ إذَا ادَّعَى الْكَذِبَ فِي إقْرَارِهِ بِالْكِتَابَةِ يَحْلِفُ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (١٥٨٩) .

أَمَّا إذَا أَنْكَرَ خَطَّ السَّنَدِ الَّذِي أَعْطَاهُ مَرْسُومًا قَائِلًا: إنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَطِّي.

فَإِذَا كَانَ خَطُّهُ، أَوْ خَتْمُهُ مَشْهُورًا وَمُتَعَارَفًا بَيْنَ التُّجَّارِ وَأَهْلِ الْبَلْدَةِ، وَأُثْبِتَ كَوْنُ خَطِّهِ، أَوْ خَتْمِهِ مُتَعَارَفًا فَلَا يُعْتَبَرُ إنْكَارُهُ، وَيُعْمَلُ بِذَلِكَ السَّنَدِ بِدُونِ حَاجَةٍ لِإِثْبَاتِ مَضْمُونِهِ وَمُنْدَرَجَاتِهِ، وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ مِنْ نَفْسِهِ بِأَنَّ خَطَّهُ وَخَتْمَهُ مَشْهُورٌ وَمُتَعَارَفٌ؛ لِأَنَّ عِلْمَ الْحَاكِمِ لَيْسَ حُجَّةً وَسَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ الْحُكْمِ.

قِيلَ (مَشْهُورًا وَمُتَعَارَفًا) وَالشُّهْرَةُ الْحَقِيقِيَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ التَّوَاتُرِ، وَقَدْ وَرَدَ تَعْرِيفُهُ فِي الْمَادَّةِ (١٧٣٥) أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا وَمُتَعَارَفًا بَلْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِأَنَّ الْخَطَّ وَالْخَتْمَ هُوَ خَطُّ وَخَتْمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ شَهِدَ الشَّاهِدَانِ بِأَنَّهُمَا شَاهَدَا تَحْرِيرَ السَّنَدِ، وَهُوَ يُحَرِّرُهُ فَتُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَتَكْمِلَتُهُ) .

وَخَطُّ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ بِمَعْنَى الْخَطِّ الَّذِي حُرِّرَ بِصُورَةٍ ظَاهِرَةٍ وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ الْأَكْمَلِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، لِذَلِكَ إذَا ثَبَتَ بِالشُّهْرَةِ وَالتَّوَاتُرِ أَنَّ الْخَطَّ هُوَ خَطُّ الْمَدِينِ فَيُعْمَلُ بِهِ.

كَذَلِكَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْخَتْمِ لَيْسَ الْمَصْدَرَ بَلْ هُوَ الِاسْمُ.

فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا كَانَ الْخَتْمُ مَشْهُورًا وَمُتَعَارَفًا فَهُوَ كَافٍ لِإِثْبَاتِ الدَّيْنِ، وَالْحَالُ أَنَّ كَوْنَ الْخَتْمِ مَشْهُورًا وَمُتَعَارَفًا لَا يَجْعَلُ السَّنَدَ بَعِيدًا عَنْ شَائِبَةِ التَّزْوِيرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>