للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُسْمَعُ دَعْوَى الْإِقْرَارِ. وَلَكِنَّ الْإِقْرَارَ الَّذِي اُدُّعِيَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ رُبِطَ بِسَنَدٍ حَاوٍ لِخَطِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمَعْرُوفِ سَابِقًا أَوْ خَتْمِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مُرُورُ الزَّمَنِ مِنْ تَارِيخِ السَّنَدِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَى تُسْمَعُ دَعْوَى الْإِقْرَارِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ) .

لَا يَسْقُطُ الْحَقُّ بِتَقَادُمِ الزَّمَنِ وَلَوْ تَقَادَمَ الزَّمَنُ أَحْقَابًا كَثِيرَةً، وَأَنَّ عَدَمَ اسْتِمَاعِ الدَّعْوَى بِمُرُورِ الزَّمَنِ الْمُبَيِّنِ آنِفًا مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَمْرِ السُّلْطَانِيِّ بِسَبَبِ امْتِنَاعِ الْحُكَّامِ عَنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى خَوْفَ وُقُوعِ التَّزْوِيرِ لِقَطْعِ الْحِيَلِ وَالتَّزْوِيرِ وَالْأَطْمَاعِ الْفَاسِدَةِ الْفَاشِيَةِ بَيْنَ النَّاسِ اُنْظُرْ شَرْحَ عِنْوَانِ الْبَابِ الثَّانِي.

فَلِذَلِكَ لَوْ أَقَامَ أَحَدٌ الدَّعْوَى بِمَطْلُوبِهِ الَّذِي هُوَ عَلَى آخَرَ بَعْدَ مُرُورِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَرَدَّ الْقَاضِي الدَّعْوَى بِسَبَبِ مُرُورِ الزَّمَنِ فَيَبْقَى الْمَدِينُ مَدِينًا دِيَانَةً وَلَا يَخْلُصُ مِنْ حَقِّ غُرَمَائِهِ مَا لَمْ يُؤَدِّ دَيْنَهُ أَوْ يُرْضِي مَدِينَهُ.

فَلِذَلِكَ إذَا أَقَرَّ وَاعْتَرَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صَرَاحَةً فِي حُضُورِ الْقَاضِي بِأَنَّ لِلْمُدَّعِي عِنْدَهُ حَقًّا فِي الْحَالِ فِي دَعْوَى وُجِدَ فِيهَا مُرُورُ الزَّمَنِ بِالْوَجْهِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي فَلَا يُعْتَبَرُ مُرُورُ الزَّمَنِ وَيُحْكَمُ بِمُوجَبِ إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْإِقْرَارُ إمَّا أَنْ يَكُونَ شِفَاهِيًّا وَقَدْ بُيِّنَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْإِقْرَارِ بِأَنَّ إمْضَاءَ أَوْ خَتْمَ السَّنَدِ الْمُبْرَزِ هُوَ إمْضَاؤُهُ أَوْ خَتْمُهُ وَيُقَالُ لِهَذَا الْإِقْرَارُ بِالْكِتَابَةِ.

مَثَلًا إذَا ادَّعَى أَحَدٌ دَيْنًا مِنْ آخَرَ مَرَّ عَلَيْهِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً اسْتِنَادًا عَلَى سَنَدٍ مُعَنْوَنٍ وَمَرْسُومٍ فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْإِمْضَاءَ وَالْخَتْمَ الَّذِي فِي السَّنَدِ وَادَّعَى وُجُودَ مُرُورِ الزَّمَنِ فِي الدَّعْوَى فَيَلْزَمُهُ كَمَا بُيِّنَ فِي الْمَادَّةِ (١٦١٠) أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَبْلَغَ الَّذِي يَحْتَوِيهِ السَّنَدُ (الْخَانِيَّةُ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى) .

وَبِمَا أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْحَقُّ بِمُرُورِ الزَّمَنِ فَلَا يَكْفِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي بِقَوْلِهِ: إنَّ فِي الدَّعْوَى مُرُورَ زَمَنٍ أَمَّا لَوْ أَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى دَعْوَى الدَّيْنِ بِأَنَّنِي لَسْت مَدِينًا وَفِي دَعْوَى الْعَيْنِ: إنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ لِي وَأَضَافَ إلَى ذَلِكَ الِادِّعَاءِ بِمُرُورِ الزَّمَنِ فَيَصِحُّ دَفْعُهُ. إنَّ ذِكْرَ عِبَارَةِ " فِي الْحَالِ " الْوَارِدَةُ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ هُوَ لِكَوْنِهَا وَرَدَتْ فِي فَتَاوَى مَشَايِخِ الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْصَدُ بِهَا الِاحْتِرَازُ مِنْ الْإِقْرَارِ بِأَنَّ لِلْمُدَّعِي حَقًّا عِنْدَهُ فِي الْمَاضِي فَلِذَلِكَ لَوْ ادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمَالَ الْمُدَّعَى بِهِ كَانَ قَبْلَ ثَلَاثِينَ سَنَةً لِلْمُدَّعِي أَوْ لِمُوَرِّثِهِ وَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ فَيَكُونُ قَدْ أَقَرَّ بِحَقِّ الْمُدَّعِي فَلِذَلِكَ إذَا لَمْ يُثْبِتْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشِّرَاءَ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ عِنْدَ تَكْلِيفِهِ لِلْحَلِفِ يُسَلَّمُ الْمُدَّعَى بِهِ لِلْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لِغَيْرِهِ أُخِذَ بِإِقْرَارِهِ وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ أَحْقَابًا كَثِيرَةً لَا تُعَدُّ وَهَذَا مِمَّا لَا يُتَوَقَّفُ فِيهِ (الْخَيْرِيَّةُ فِي الدَّعْوَى) . وَالْحُكْمُ فِي الدَّيْنِ هُوَ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ فَلَوْ ادَّعَى الْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَائِلًا: أَدِّ لِي الْعِشْرِينَ دِينَارًا الَّتِي أَقْرَضْتهَا لَك قَبْلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَإِذَا ادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ اقْتَرَضَ مِنْهُ هَذَا الْمَبْلَغَ قَبْلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً إلَّا أَنَّهُ قَدْ أَدَّى ذَلِكَ لِلْمُدَّعِي فَعَلَيْهِ إثْبَاتُ ذَلِكَ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الْإِثْبَاتِ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى عَدَمِ اسْتِيفَائِهِ الدَّيْنَ فَلَهُ أَخْذُ ذَلِكَ الْمَبْلَغِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>