للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يُكَرَّرُ وَلَا يُعَادُ؛ وَالْحَقِيقَةُ أَنَّهُ إذَا أُوقِعَ غَصْبٌ فِي مَكَان يُمْكِنُ بَعْدَ إيقَاعِهِ إيقَاعُ غَصْبٍ فِي مَكَان آخَرَ إلَّا أَنَّ أَحَدَ هَذَيْنِ الْغَصْبَيْنِ غَيْرُ الْغَصْبِ الْآخَرِ وَفِعْلُ كُلِّ غَصْبٍ مِنْهُمَا غَيْرُ فِعْلِ الْغَصْبِ الْآخِرِ وَالْحُكْمُ الَّذِي ثَبَتَ فِي الْغَصْبِ الثَّانِي لَا يَكُونُ عَيْنَ الْحُكْمِ الَّذِي يَثْبُتُ فِي الْغَصْبِ الْأَوَّلِ، مَثَلًا إذَا غُصِبَتْ فَرَسٌ فِي بَغْدَادَ فَحُكْمُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْفَرَسُ مَوْجُودَةً أَنْ يَتَكَلَّفَ الْغَاصِبُ بِتَسْلِيمِهَا عَيْنًا فِي بَغْدَادَ وَإِذَا كَانَ مُسْتَهْلَكَةً يُكَلَّفُ الْغَاصِبُ بِدَفْعِ قِيمَتِهَا فِي بَغْدَادَ. فَعَلَيْهِ إذَا غُصِبَتْ تِلْكَ الْفَرَسُ فِي الْبَصْرَةِ ثَانِيَةً مِنْ نَفْسِ الْغَاصِبِ فَحُكْمُ الْغَصْبِ الثَّانِي إذَا كَانَتْ الْفَرَسُ مَوْجُودَةً تَسْلِيمُ الْغَاصِبِ لَهَا فِي الْبَصْرَةِ وَإِذَا كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً دَفَعَ قِيمَتَهَا فِي الْبَصْرَةِ وَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ عَيْنَ فِعْلِ الْغَصْبِ لَا يُكَرَّرُ وَلَا يُعَادُ. أَمَّا الْقَوْلُ فَيُمْكِنُ أَنْ يُكَرَّرَ وَيُعَادَ. فَيَسْمَعُ أَحَدٌ الشَّاهِدَيْنِ قَوْلًا فِي زَمَانٍ وَمَكَانٍ وَيَسْمَعُ الشَّاهِدُ ذَلِكَ الْقَوْلَ فِي زَمَانٍ وَمَكَانٍ آخَرَ (النَّتِيجَةُ) .

وَيُفْهَمُ مِنْ ذِكْرِ الْمَجَلَّةِ الْقَوْلُ مُطْلَقًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ عَقْدًا يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُ حُكْمِهِ عَلَى فِعْلِ الْقَبْضِ وَشَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى ذَلِكَ الْقَبْضِ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان مُعَيَّنٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ عَلَى الْقَبْضِ فِي زَمَانٍ وَمَكَانٍ آخَرَ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ، مَثَلًا لَوْ شَهِدَ الشَّاهِدَانِ قَائِلَيْنِ: إنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ وَهَبَ أَوْ رَهَنَ أَوْ تَصَدَّقَ أَوْ أَقْرَضَ هَذَا الْمَالَ لِهَذَا الرَّجُلِ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَنَّ قَبْضَ ذَلِكَ الْمَالِ كَانَ فِي دِمَشْقَ وَانْفَرَدَ آخَرُ بِشَهَادَةٍ بِأَنَّ قَبْضَ ذَلِكَ الْمَالِ فِي بَيْرُوتَ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ يَكُونُ بَعْضًا أَزِيدَ مِنْ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ (جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ وَالْهِنْدِيَّةُ) .

مُسْتَثْنًى - قَدْ ذُكِرَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الزَّمَانِ أَوْ فِي الْمَكَانِ فَاحِشًا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ. مَثَلًا لَوْ أَقَامَ أَحَدُ شَاهِدَيْنِ عَلَى الصُّلْحِ فَسَأَلَهُمَا الْقَاضِي عَنْ زَمَانِ الصُّلْحِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ حَسَبَ ظَنِّي قَبْلَ سِتِّ سَنَوَاتٍ أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ وَقَالَ الْآخَرُ: إنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ قَبْلَ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ حَسَبَ ظَنِّي أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا تُقْبَلُ. وَإِنْ يَكُنْ أَنْ لَا حَاجَةَ لِذِكْرِ التَّارِيخِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا أَنَّهُمَا لَمَّا ذَكَرَاهُ وَكَانَ مُتَفَاوِتًا تَفَاوُتًا فَاحِشًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا (الْبَحْرُ) كَذَلِكَ إذَا ذَكَرَ الشُّهُودُ مَكَانَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ عَنْ بَعْضِهِمَا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ. مَثَلًا لَوْ شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فِي يَوْمِ عِيدِ الْأَضْحَى فِي مَدِينَةِ الْبَصْرَةِ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فِي الْيَوْمِ الْمَذْكُورِ فِي مَكَّةَ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ يَقِينًا كَذِبُ أَحَدِ هَذَيْنِ الشَّاهِدَيْنِ (الْبَحْرُ) حَيْثُ إنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَكْرَارُ وَإِعَادَةُ هَذَا الْقَوْلِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فِي الْبَصْرَةِ وَفِي مَكَّةَ.

تَفْصِيلُ اخْتِلَافِ الشُّهُودِ. يُوجَدُ خَمْسُ صُوَرٍ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ:

١ - أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُودُ بِهِ قَوْلًا مُجَرَّدًا كَالْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَاخْتِلَافُ الشُّهُودِ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ لَا يَكُونُ مَانِعًا لِلْقَبُولِ كَمَا أَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي صُورَةِ كَوْنِ الْمَشْهُودِ بِهِ إقْرَارًا أَوْ إنْشَاءً غَيْرُ مَانِعٍ لِلْقَبُولِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْشَاءِ وَاحِدَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ فَإِنَّهُ قَوْلٌ وَالْقَوْلُ مِمَّا يُعَادُ وَيُكَرَّرُ فَيَكُونُ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ أَقَرَّ صَبَاحًا، وَقَالَ الشَّاهِدُ الْآخَرُ: قَدْ أَقَرَّ مَسَاءً فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ هُمَا اخْتَلَفَا

<<  <  ج: ص:  >  >>