للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَذَلِكَ قُيُودُ الدَّفْتَرِ الْخَاقَانِيِّ أَمِينَةٌ مِنْ التَّزْوِيرِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ قُيُودِهِ هِيَ الدَّفَاتِرُ الَّتِي جَرَى قَيْدُهَا وَتَحْرِيرُهَا بِكَمَالِ الِاعْتِنَاءِ وَالتَّحْقِيقِ بِصُورَةٍ سَالِمَةٍ مِنْ الشُّبْهَةِ فِي زَمَنِ السَّلَاطِينِ الْمَاضِيَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ وَلَا سِيَّمَا فِي زَمَنِ السُّلْطَانِ سُلَيْمَانَ وَالسُّلْطَانِ مُرَادِ الثَّالِثِ.

مِنْ طَرَفِ أَصْحَابِ الْكَمَالِ وَأَرْبَابِ الْفِعْلِ وَالِاسْتِقَامَةِ الَّذِينَ جَرَى انْتِخَابُهُمْ لِيُحَرِّرُوا فِيهَا الْقُرَى وَالْمَزَارِعَ وَالْمَرَاعِيَ وَالْمَشْتَى وَالْأَرَاضِيَ السَّائِرَةَ مَعَ بَيَانِ جِهَاتِ ارْتِبَاطِهَا وَالْبَالِغُ عَدَدُهَا تِسْعَمِائَةٍ وَسَبْعِينَ دَفْتَرًا - وَهَذِهِ الدَّفَاتِرُ هِيَ مَحْفُوظَةٌ الْآنَ فِي مَخْزَنٍ مَأْمُونٍ فِي دَائِرَةِ الدَّفْتَرِ الْخَاقَانِيِّ لَهُ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ حَدِيدِيَّةٍ مَتِينَةٍ فَإِذَا أُرِيدَ تَبْدِيلُ ارْتِبَاطِ قِطْعَةِ أَرْضٍ مِنْ الْأَرَاضِي الْمُقَيَّدَةِ بِالدَّفَاتِرِ الْمَذْكُورَةِ الْقَدِيم لِمَسَاغٍ شَرْعِيٍّ فَبَعْدَ اسْتِحْصَالِ الْإِرَادَةِ السَّنِيَّةِ بِذَلِكَ وَبَعْدَ وُرُودِ الْفَرَمَانِ السُّلْطَانِيِّ مِنْ قَلَمِ الدِّيوَانِ الهمايوني يُسَجِّلُ الْمَأْمُورُ الْمُوَظَّفُ لِذَلِكَ الْأَمْرِ خُلَاصَةَ الْفَرَمَانِ السُّلْطَانِيِّ فِي حُضُورِ أَمِينِ الدَّفْتَرِ الْخَاقَانِيِّ عَلَى الْقَيْدِ الْمَوْجُودِ فِي الدَّفْتَرِ بِخَطِّ يَدِهِ وَيَضَعُ إمْضَاءَهُ بِذَيْلِهِ ثُمَّ يُعِيدُ الدَّفْتَرَ الْمَذْكُورَ إلَى الْمَخْزَنِ كَمَا أَنَّ الْفَرَمَانَ السُّلْطَانِيَّ يُحَفَّظُ بِمَعْرِفَةِ مُوَظَّفٍ مَخْصُوصٍ.

إنَّ هَذِهِ الْأُصُولَ التَّوْثِيقِيَّةَ الَّتِي وُضِعَتْ فِي الزَّمَانِ الْقَدِيمِ قَدْ بَقِيَ الْعَمَلُ بِهَا إلَى الْوَقْتِ الْحَاضِرِ بِدُونِ إخْلَالٍ، وَحُوفِظَ عَلَيْهَا بِكَمَالِ الِاعْتِنَاءِ؛ فَلِذَلِكَ لَمْ يَطْرَأْ عَلَى الْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ أَيُّ خَلَلٍ أَوْ فَسَادٍ بَلْ بَقِيَتْ بَرِيئَةً مِنْ شُبْهَةِ التَّزْوِيرِ وَالتَّصْنِيعِ.

وَقَدْ بَيَّنَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ بِأَنَّهُ يُعْمَلُ بِهَذِهِ الْقُيُودِ بِلَا بَيِّنَةٍ كَمَا أَنَّهُ قَدْ أَفْتَى مَشَايِخُ الْإِسْلَامِ الْآخَرُونَ بِذَلِكَ؛ فَلِذَلِكَ إذَا وُجِدَ فِي دَفَاتِرِ الدَّفْتَرِ الْخَاقَانِيِّ أَنَّ الْمَحَلَّ الْفُلَانِيَّ وَقْفٌ عَلَى الْمَدْرَسَةِ الْفُلَانِيَّةِ فَيُعْمَلُ بِذَلِكَ بِدُونِ حَاجَةٍ لِإِثْبَاتِ مَضْمُونِهِ (التَّنْقِيحُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) ؛ وَيُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ التَّفْصِيلَاتِ أَنَّ الْأَرَاضِيَ الْمُقَيَّدَةَ فِي هَذِهِ الدَّفَاتِرِ هِيَ الْأَرَاضِي الْعَائِدَةُ لِلْعُمُومِ وَلِلْمُؤَسَّسَاتِ الْخَيْرِيَّةِ وَلَمْ يَكُنْ مُقَيَّدًا بِهَا الْأَرَاضِي الَّتِي فِي عُهْدَةِ أَشْخَاصٍ بِمُوجَبِ سَنَدَاتٍ خاقانية.

إنَّ قَيْدَ الْأَرَاضِي الَّتِي فِي عُهْدَةِ أَشْخَاصٍ أَوْ الْأَمْلَاكِ الْمَمْلُوكَةِ لَهُمْ كَالدَّارِ وَالدُّكَّانِ وَالْعَرَصَاتِ وَالْمُسْتَغِلَّات الْوَقْفِيَّةِ الَّتِي هِيَ فِي تَصَرُّفِ أَشْخَاصٍ بِالْإِجَارَتَيْنِ مَوْجُودَةٌ فِي دَائِرَةِ السَّنَدَاتِ.

إنَّ الْأُصُولَ الْمُتَّبَعَةَ فِي تَبْدِيلِ هَذِهِ الْقُيُودِ وَفِي نَقْلِهَا مِنْ اسْمٍ لِآخَرَ لَيْسَتْ بِحَيْثُ تَكُونُ سَالِمَةً مِنْ التَّزْوِيرِ وَالتَّصْنِيعِ، كَمَا أَنَّ الْمُعَامَلَاتِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبِلَادِ الْعُثْمَانِيَّةِ الْأُخْرَى هِيَ بَعِيدَةٌ جِدًّا عَنْ أَنْ تَكُونَ مُعْتَمَدَةً وَمَأْمُونَةً حَتَّى أَنَّنِي شَاهَدْتُ فِي بَعْضِ أَوْرَاقِ الدَّعَاوَى فِي السَّنَدَاتِ الْمَخْصُوصَةِ لِلْأَمْلَاكِ الصِّرْفَةِ فِي خَانَةِ جِهَةِ إعْطَاءِ السَّنَدِ أَنَّهُ حَقُّ الْقَرَارِ، كَمَا أَنَّهُ شُوهِدَ فِي إحْدَى صَحَائِفِ الدَّفْتَرِ الْمَخْصُوصِ أَنَّ الدَّارَ الْمُقَيَّدَةَ بِاسْمِ زَيْدٍ قَدْ قُيِّدَتْ فِي صَحِيفَةٍ أُخْرَى مِنْ ذَلِكَ الدَّفْتَرِ عَلَى اسْمِ عَمْرٍو بِدُونِ أَنْ يُبَيِّنَ كَيْفِيَّةَ انْتِقَالِ الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ زَيْدٍ إلَى عَمْرٍو، وَمَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقُيُودِ وَالدَّفْتَرِ خَاقَانِي فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ هِيَ الدَّفَاتِرُ الْمُخَصَّصَةُ الْمَارُّ ذِكْرُهَا وَالْمُعْتَنَى بِهَا إلَّا أَنَّ أَكْثَرَ الْقُضَاةِ لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِمْ عَلَى هَذِهِ التَّفْصِيلَاتِ فَقَدْ حَكَمُوا بِجَمِيعِ السَّنَدَاتِ الَّتِي تُنَظَّمُ فِي دَائِرَةِ الدَّفْتَرِ الْخَاقَانِيِّ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا تَدْقِيقٍ وَسَبَّبُوا بِذَلِكَ إضَاعَةَ حُقُوقِ الْعِبَادِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>