للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمَّا كَانَ الْقَضَاءُ ذَا أَهَمِّيَّةٍ عُظْمَى فَيَجِبُ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْأَمْرِ الَّذِينَ لَهُمْ سَلِطَةُ نَصْبِ الْقَاضِي أَنْ يَتَفَحَّصُوا الْأَهْلَ لِلْقَضَاءِ وَيُنَصِّبُوهُ، وَقَدْ وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَدِيثٌ شَرِيفٌ وَرَدَ ذِكْرُهُ فِي الزَّيْلَعِيّ وَالدُّرَرُ وَالْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِي الزَّيْلَعِيّ هُوَ «مَنْ قَلَّدَ إنْسَانًا عَمَلًا وَفِي رَعِيَّتِهِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ» وَتُوجَدُ أَحَادِيثُ شَرِيفَةٌ أُخْرَى بِهَذَا الْمَعْنَى، وَقَدْ وَرَدَ ذِكْرُهَا فِي كِتَابِ آدَابِ الْقَاضِي فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي عَالِمًا دِينِيًّا، وَاَلَّذِي يُنْتَخَبُ قَاضِيًا غَيْرُ حَائِزٍ لِهَذِهِ الشُّرُوطِ وَالْأَوْصَافِ يَكُونُ قَدْ ارْتَكَبَ بَاطِلَيْنِ. أَوَّلُهُمَا: تَوْجِيهُ الْقَضَاءِ إلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ. الثَّانِي مَنْعُهُ مُسْتَحِقَّهُ.

[ (الْمَادَّةُ ١٧٩٣) كون الْقَاضِي وَاقِفًا عَلَى الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ وَأُصُولِ الْمُحَاكَمَاتِ]

الْمَادَّةُ (١٧٩٣) (يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي، وَاقِفًا عَلَى الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ وَعَلَى أُصُولِ الْمُحَاكَمَاتِ وَمُقْتَدِرًا عَلَى فَصْلِ وَحَسْمِ الدَّعَاوَى الْوَاقِعَةِ تَطْبِيقًا لَهُمَا) . وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي وَاقِفًا عَلَى الْمَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْفُرُوعِ الْفِقْهِيَّةِ وَعَلَى أُصُولِ الْمُحَاكَمَةِ وَمُقْتَدِرًا عَلَى فَصْلِ وَحَسْمِ الدَّعَاوَى الْوَاقِعَةِ تَطْبِيقًا لَهُمَا، وَأَنْ يَكُونَ مُتَوَرِّعًا وَمُتَدَيِّنًا. فِقْهِيَّةٌ - أَيْ الْمَنْسُوبَةِ لِلْفِقْهِ، وَالْفِقْهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ هُوَ اسْمٌ لِلْعِلْمِ الْخَاصِّ بِالدِّينِ، وَلَيْسَ اسْمًا لِكُلِّ عِلْمٍ، وَالْفِقْهُ هُنَا بِالْمَعْنَى الْوَارِدِ فِي الْمَادَّةِ الْأُولَى مِنْ الْمَجَلَّةِ؛ وَلِلْفِقْهِ مَعْنًى آخَرُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَبِمُقْتَضَيَاتِهِ مَا، وَإِشَارَاتِهِمَا وَبِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَالْفِقْهُ بِهَذَا الْمَعْنَى مَخْصُوصٌ بِالْمُجْتَهِدِينَ. وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْعَصْرُ خَالِيًا مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فَالْفَقِيهُ بِهَذَا الْمَعْنَى أَيْ إيجَادُ قَاضٍ مُجْتَهِدٍ مُتَعَذِّرٌ فَلِذَلِكَ لَا يَكُونُ مَقْصُودًا هَذَا بِالْمَعْنَى، حَتَّى أَنَّهُ مِنْ النَّادِرِ وُجُودُ فَقِيهٍ بِالْمَعْنَى الْوَارِدِ فِي الْمَادَّةِ الْأُولَى مِنْ الْمَجَلَّةِ، حَتَّى قَدْ وَرَدَ فِي تَقْرِيرِ الْمَجَلَّةِ الْجُمْلَةُ الْآتِيَةُ: (قَدْ أَصْبَحَ الْآنَ نَادِرًا وُجُودُ ذَوَاتٍ مَاهِرِينَ فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ) وَبِذَلِكَ قَدْ أَظْهَرَتْ الْهَيْئَةُ الَّتِي وَضَعَتْ الْمَجَلَّةَ أَسَفَهَا عَلَى ذَلِكَ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً أَنَّ بَابَ الِاجْتِهَادِ لَمْ يُسَدَّ وَلَكِنَّهُ مُنْسَدٌّ؛ لِأَنَّهُ مُنْذُ عُصُورٍ لَمْ يَظْهَرْ شَخْصٌ يَجْمَعُ فِي نَفْسِهِ الْعُلُومَ اللَّازِمَةَ لِلْمُجْتَهِدِ فَانْسَدَّ بَابُ الِاجْتِهَادِ بِالضَّرُورَةِ. وَقَدْ كَانَ فِي الْأَوَائِلِ يُنْتَخَبُ لِلْقَضَاءِ الذَّوَاتُ الْمُبْرِزُونَ فِي الِاقْتِدَارِ، وَقَدْ كَانَ الْقَضَاءُ فِي الْعَصْرِ الثَّالِثِ عَشَرَ الْهِجْرِيِّ الَّذِي أَدْرَكْنَاهُ يُوَجَّهُ لِعَوَامِّ النَّاسِ وَقَدْ دَامَ هَذَا الْحَالُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ سَنَةً إلَّا أَنَّهُ فِي سَنَةِ ٣٣١ قَدْ مُنِعَ تَوْجِيهُ الْقَضَاءِ لِغَيْرِ الْمَأْذُونِينَ مِنْ مَدْرَسَةِ الْقَضَاءِ، وَلِذَلِكَ لَيْسَ مِنْ اللَّائِقِ تَقْلِيدُ الْقَضَاءِ لِلْجَاهِلِ الْعَدْلِ، وَالْعَالِمِ الْغَيْرِ عَدْلٍ وَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَتَقَلَّدَاهُ (الْخَانِيَّةُ) .

إنَّ الْعَامِّيَّ الْمَحْضَ غَيْرُ أَهْلٍ لِلْقَضَاءِ إذْ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَّصِفَ بِالْعِلْمِ وَالْفَهْمِ وَالْأَهْلِيَّةِ لِلْقَضَاءِ، وَأَقَلُّ عِلْمٍ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَّصِفَ بِهِ هُوَ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى اسْتِمَاعِ الْحَوَادِثِ وَالْمَسَائِلِ الدَّقِيقَةِ بِصُورَةٍ جَيِّدَةٍ، وَأَنْ يَكُونَ حَائِزًا النِّصَابَ عَلَى طُرُقِ تَحْصِيلِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَمَنْ صُدُورِ الْمَشَايِخِ، وَأَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى تَطْبِيقِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى الدَّعَاوَى وَالْوَقَائِعِ، فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْقَضَاءِ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الْوَظَائِفِ إلَى الْأَشْخَاصِ الْغَيْرِ، وَاقِفِينَ عَلَى صِغَارِ أُمُورِ

<<  <  ج: ص:  >  >>