للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَاضِي بِفَتْوَى ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ تِلْكَ الْفَتْوَى مُخَالِفَةٌ لِمَذْهَبِهِ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَوْ لِقَاضٍ خِلَافَهُ أَنْ يَنْقُضَ ذَلِكَ الْحُكْمَ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (١٨٣٨) (الْبَزَّازِيَّةُ عَنْ شَرْحِ الطَّحْطَاوِيِّ وَالْحَمَوِيُّ وَالْفَتْحُ) أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ فَالْحُكْمُ غَيْرُ نَافِذٍ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامَيْنِ كَمَا أَنَّهُ قَدْ رَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ قَوْلَهُمَا (شَرْحُ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَلَكٍ) . وَيَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ بِأَنَّهُ إذَا نُصِّبَ الْقَاضِي مِنْ طَرَفِ السُّلْطَانِ بِأَنْ يَحْكُمَ عَلَى الْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبٍ آخَرَ كَمَا مَرَّ ذِكْرُهُ فَإِذَا حَكَمَ فَحُكْمُهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْقَاضِيَ مَعْزُولٌ عَنْ الْقَضَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الْحُكْمِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَرَسْمُ الْمُفْتِي) . إنَّ الْقَاضِيَ مُكَلَّفٌ أَنْ يَتَحَرَّى الْمَسَائِلَ الشَّرْعِيَّةَ مِنْ الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ وَأَنْ يَحْكُمَ بِمُوجَبِهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ قِيَاسًا حَتَّى لَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ قَاسَ مَسْأَلَةً عَلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَحَكَمَ بِمُوجَبِ ذَلِكَ الْقِيَاسِ ثُمَّ ظَهَرَتْ رِوَايَةٌ خِلَافَ الْحُكْمِ وَتَبَيَّنَ خَطَؤُهُ فِي الْحُكْمِ فَلِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ أَنْ يُخَاصِمَ الْقَاضِيَ وَالْمُدَّعِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. يُخَاصِمُ الْقَاضِيَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الزَّمَنِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ أَثِمَ الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ وَيُخَاصِمُ الْمُدَّعِيَ لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ مَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْمَالَ الَّذِي أَخَذَهُ إلَى الْمُقْتَضَى عَلَيْهِ إذْ أَنَّ اعْتِمَادَ الْمُدَّعِي عَلَى أَمْرِ الْقَاضِي غَيْرِ الْمَشْرُوعِ لَا يُخَلِّصُهُ مِنْ الضَّمَانِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَالْحَمَوِيُّ) .

خَامِسًا: إنَّ الْكُتُبَ الْفِقْهِيَّةَ مُقَسَّمَةٌ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ وَهِيَ الْمُتُونُ وَالشُّرُوحُ وَالْفَتَاوَى. مَسَائِلُ الْمُتُونِ تُرَجَّحُ عَلَى مَسَائِلِ الشُّرُوحِ لِأَنَّ مَسَائِلَ الْمُتُونِ قَدْ أَصْبَحَتْ مُتَوَاتِرَةً كَمَا أَنَّ مَسَائِلَ الشُّرُوحِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَسَائِلِ الْفَتَاوَى. وَالْحُكْمُ عَلَى ذَلِكَ سَوَاءٌ صُحِّحَ الْقَوْلَانِ أَوْ لَمْ يُصَحَّحَا. أَمَّا لَوْ ذَكَرَ فِي الْمَتْنِ مَثَلًا مَسْأَلَةً وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْهَا بِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ وَذَكَرَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الْوَارِدَةِ فِي الشَّرْحِ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ فَتُقَدَّمُ الْمَسْأَلَةُ الْوَارِدَةُ فِي الشَّرْحِ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَتْنِ هُوَ تَصْحِيحٌ الْتِزَامِيٌّ، أَمَّا التَّصْحِيحُ الْوَارِدُ عَنْ الشَّرْحِ فَهُوَ تَصْحِيحٌ صَرِيحٌ وَالتَّصْحِيحُ الصَّرِيحُ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّصْرِيحِ الِالْتِزَامِيِّ (رَسْمُ الْمُفْتِي) . سَادِسًا: إذَا ذُكِرَ فِي الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ قَوْلَانِ وَأُثْبِتَ أَحَدُهُمَا بِذِكْرِ دَلِيلِهِ فَهُوَ مُرَجَّحٌ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ يُفِيدُ تَرْجِيحَ الْمُعَلَّلِ. سَابِعًا: إذَا كَانَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ قِيَاسِيًّا وَالْآخَرُ اسْتِحْسَانًا فَيُرَجَّحُ الْقَوْلُ الِاسْتِحْسَانِيُّ إلَّا أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ عَدِيدَةٌ وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ هِيَ مَذْكُورَةٌ فِي أَجْنَاسِ النَّاطِقِ وَهِيَ إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً وَقَدْ أَوْصَلَهَا نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيّ إلَى اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ مَسْأَلَةً وَقَدْ ذَكَرَهَا ابْنُ نُجَيْمٍ فِي كِتَابِهِ شَرْحِ الْمَنَارِ (رَسْمُ الْمُفْتِي) . ثَامِنًا: إذَا كَانَ يُوجَدُ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَسَائِلِ الْوَقْفِيَّةِ فَيَحْكُمُ الْقَاضِي بِالْقَوْلِ الْأَنْفَعِ لِلْوَقْفِ إذْ أَنَّ الْوَقْفَ غَيْرُ لَازِمٍ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَلَازِمٌ عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ فَالْقَاضِي نَفْعًا لِلْوَقْفِ يَحْكُمُ بِمُوجَبِ قَوْلِ الْإِمَامَيْنِ وَيَحْكُمُ بِالْوَقْفِ وَبِتَسْجِيلِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>