للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ (الْمَادَّةُ ٦٣٢) لَا تَجْرِي النِّيَابَةُ فِي الْعُقُوبَاتِ]

(الْمَادَّةُ ٦٣٢) لَا تَجْرِي النِّيَابَةُ فِي الْعُقُوبَاتِ فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالْقِصَاصِ وَسَائِرِ الْعُقُوبَاتِ وَالْمُجَازَاةِ الشَّخْصِيَّةِ وَلَكِنْ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالْأَرْشِ وَالدِّيَةِ اللَّذَيْنِ يَلْزَمَانِ الْجَارِحَ وَالْقَاتِلَ. لَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي الْعُقُوبَاتِ وَلَا تَجْرِي فِيهَا (الدُّرُّ الْمُنْتَقَى) أَيْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إنْزَالُ الْعِقَابِ بِأَحَدٍ نِيَابَةً عَنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْعُقُوبَةِ الزَّجْرُ فَإِذَا صَحَّ إنْزَالُ الْعُقُوبَةِ بِالْمَنُوبِ عَنْهُ فَلَا يَحْصُلُ الزَّجْرُ الْمَطْلُوبُ لِلْفَاعِلِ (الْكَفَالَةُ) . وَقَدْ أَوْرَدَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ عَلَى هَذَا الدَّلِيلِ التَّشْكِيكَ الْآتِيَ: إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الزَّجْرِ إمَّا زَجْرُ الْجَانِي وَهَذَا قَائِمٌ عَلَى فِكْرَةِ مُجَازَاةِ الْجَانِي حَتَّى يَنْزَجِرَ فَلَا يَعُودَ إلَى مِثْلِهَا وَهَذَا الْغَرَضُ يَتَوَفَّرُ فِي غَيْرِ الْقِصَاصِ لَكِنْ لَا يَكُونُ حُصُولُ هَذَا الْغَرَضِ قَطْعِيًّا إذْ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ لَا يَحْصُلُ فَكَثِيرًا مَا نُشَاهِدُ الْجُنَاةَ الْمُنْهَمِكِينَ يُعَاوِدُونَ الْجِنَايَاتِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ وَهُمْ يُشَاهِدُونَ مَنْ يُعَاقَبُونَ عَلَى فِعْلِهِمْ هَذَا. أَمَّا فِي الْقِصَاصِ فَبِمَا أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مُعَاوَدَةُ الْجَانِي الْجُرْمَ بَعْدَ نُزُولِ الْعِقَابِ بِهِ فَلِذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ حُصُولُ زَجْرِ الْجَانِي بِعِقَابِ غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْغَرَضُ مِنْهُ زَجْرَ - غَيْرِ الْجَانِي وَهَذَا أَيْضًا يَحْصُلُ بِإِقَامَةِ الْعُقُوبَةِ عَلَى غَيْرِ الْجَانِي أَيْضًا فَعَلَيْهِ يَجِبُ أَنْ لَا يُسْتَدَلَّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ النِّيَابَةِ فِي الْعُقُوبَةِ بِالْأَدِلَّةِ الَّتِي مَرَّ ذِكْرُهَا بَلْ يُسْتَدَلُّ عَلَيْهَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِجَوَازِ الْعُقُوبَةِ نِيَابَةً وَلَمْ يُخَالِفْ أَحَدُهُمْ الْقَوْلَ بِعَدَمِ جَرَيَانِ النِّيَابَةِ فِي الْعُقُوبَاتِ فَبِمَا أَنَّ هَذَا التَّشْكِيكَ تَشْكِيكٌ بِالْمُسَلَّمَاتِ فَلَيْسَ مَسْمُوعًا. انْتَهَى.

غَيْرَ أَنَّ تَشْكِيكَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ هَذَا مَوْضِعٌ لِلسُّؤَالِ: لِأَنَّ إقَامَةَ الْعُقُوبَةِ عَلَى نَائِبِ الْجَانِي يَسْتَلْزِمُ انْفِتَاحَ بَابِ الْجِنَايَاتِ وَالْجَرَائِمِ عَلَى مِصْرَاعَيْهِ إذْ - إنَّ الْأَغْنِيَاءَ إذَا جَنَوْا جِنَايَةً أَوْ أَوْقَعُوا جُرْمًا، اتَّخَذُوا لَهُمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ نُوَّابًا يَحْمِلُونَ دُونَهُمْ جَزَاءَ مَا جَنَوْا وَبِذَلِكَ لَا يَبْقَى أَثَرٌ لِإِقَامَةِ الْحُدُودِ فِي الْجِنَايَاتِ أَمَّا مُعَاوَدَةُ الْمُنْهَمِكِينَ الْجُرْمَ بَعْدَ إنْزَالِ الْعُقُوبَةِ بِهِمْ فَهَذَا شَيْءٌ نَادِرُ الْوُقُوعِ وَلِذَلِكَ لَا تَكُونُ هَذِهِ الْمُعَاوَدَةُ سَبَبًا صَالِحًا لِلِاجْتِهَادِ بِتَجْوِيزِ مُعَاقَبَةِ نَائِبِ الْمُجْرِمِ إذْ إنَّهُ إذَا عَاوَدَ الْمُجْرِمُ وَارْتَكَبَ جُرْمَهُ يُمْنَعُ مِنْ ارْتِكَابِهِ بِزِيَادَةِ الْعُقُوبَةِ عَلَى أَنَّ ضَرَرَ مُعَاوَدَةِ الْمُجْرِمِ عَلَى جُرْمِهِ أَقَلُّ مِنْ ضَرَرِ انْفِتَاحِ بَابِ الْجِنَايَاتِ. فَعَلَيْهِ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِنَفْسِ الْقِصَاصِ وَالْقَوَدِ وَسَائِرِ الْعُقُوبَاتِ وَالْمُجَازَاةِ الشَّخْصِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ شَرْعًا اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ الْكَفِيلِ وَقَدْ بُيِّنَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ السَّابِقَةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمَكْفُولِ بِهِ أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ. وَلَكِنْ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِنَفْسِ الشَّخْصِ الظَّنِينِ فِي الْمُجَازَاةِ الَّتِي لِلْعِبَادِ فِيهَا حَقٌّ عَلَى أَنَّهَا كَفَالَةٌ نَفْسِيَّةٌ وَبِالْأَرْشِ، وَالدِّيَةِ اللَّذَيْنِ يَلْزَمَانِ الْجَارِحَ وَالْقَاتِلَ خَطَأً عَلَى أَنَّهَا كَفَالَةٌ مَالِيَّةٌ (التَّنْوِيرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>