للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَوْ خَشْيَةَ أَنْ يُحْجَرَ عَلَيْهِ فَيُبَاعُ فِي دَيْنِهِ، أَوْ رِيَاءٍ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ وَقْفٌ لَازِمٌ لَا ثَوَابَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَبْتَغِ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ مِنْ نَحْوِ مُكَاتَبٍ وَسَفِيهٍ، وَلَا وَقْفُ نَحْوِ الْكَلْبِ وَالْخَمْرِ، وَلَا نَحْوِ الْمَطْعُومِ وَالْمَشْرُوبِ إلَّا الْمَاءُ وَيَأْتِي

. وَأَرْكَانُهُ: وَاقِفٌ، وَمَوْقُوفٌ، وَمَوْقُوفٌ عَلَيْهِ، وَالصِّيغَةُ. وَهِيَ فِعْلِيَّةٌ وَقَوْلِيَّةٌ. وَقَدْ ذَكَرَ الْأُولَى بِقَوْلِهِ: (وَيَحْصُلُ) الْوَقْفُ حُكْمًا (بِفِعْلٍ مَعَ) شَيْءٍ (دَالٍّ عَلَيْهِ) أَيْ: الْوَقْفِ (عُرْفًا) لِمُشَارَكَتِهِ الْقَوْلَ فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ (كَأَنْ يَبْنِي بُنْيَانًا عَلَى هَيْئَةِ مَسْجِدٍ وَيَأْذَنَ إذْنًا عَامًّا فِي الصَّلَاةِ فِيهِ) وَلَوْ بِفَتْحِ الْأَبْوَابِ أَوْ التَّأْذِينِ أَوْ كِتَابَةِ لَوْحٍ بِالْإِذْنِ أَوْ الْوَقْفِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَكَذَا لَوْ أَدْخَلَ بَيْتَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَأَذَّنَ فِيهِ وَلَوْ نَوَى خِلَافَهُ. نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ. أَيْ: لَا أَثَرَ لِنِيَّةٍ خِلَافَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ (حَتَّى لَوْ كَانَ) مَا بَنَاهُ عَلَى هَيْئَةِ الْمَسْجِدِ وَأَذِنَ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ (سُفْلَ بَيْتِهِ أَوْ عُلْوَهُ أَوْ وَسَطَهُ) فَيَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْتِطْرَاقًا كَمَا لَوْ بَاعَهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ (وَيَسْتَطْرِقُ) إلَيْهِ عَلَى الْعَادَةِ كَمَا لَوْ أَجَّرَهُ وَأَطْلَقَ (أَوْ) يَبْنِي (بَيْتًا) يَصْلُحُ (لِقَضَاءِ حَاجَةٍ أَوْ تَطَهُّرٍ وَيَشْرَعُهُ) أَيْ: يَفْتَحُ بَابَهُ إلَى الطَّرِيقِ (أَوْ يَجْعَلُ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً وَيَأْذَنُ) لِلنَّاسِ (إذْنًا عَامًّا بِالدَّفْنِ فِيهَا) بِخِلَافِ الْإِذْنِ الْخَاصِّ. فَقَدْ يَقَعُ عَلَى غَيْرِ الْمَوْقُوفِ فَلَا يُفِيدُ دَلَالَةَ الْوَقْفِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَأَشَارَ إلَى الصِّيغَةِ الْقَوْلِيَّةِ بِقَوْلِهِ: (وَ) يَحْصُلُ بِ (قَوْلٍ) وَكَذَا إشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ مِنْ أَخْرَسَ، (وَصَرِيحُهُ: وَقَفْتُ وَحَبَسْتُ وَسَبَّلْتُ) ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ وَالشَّرْعِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَسَبَّلْتَ ثَمَرَهَا» فَصَارَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ فِي الْوَقْفِ كَلَفْظِ التَّطْلِيقِ فِي الطَّلَاقِ، وَإِضَافَةُ التَّحْبِيسِ إلَى الْأَصْلِ وَالتَّسْبِيلِ إلَى الثَّمَرَةِ لَا يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ فِي الْمَعْنَى، فَإِنَّ الثَّمَرَةَ مُحَبَّسَةٌ أَيْضًا عَلَى مَا شُرِطَ صَرْفُهَا إلَيْهِ. وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَقَدْ سَبَقَ لَهَا حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي غَيْرِ الْوَقْفِ هِيَ أَعَمُّ مِنْ الْوَقْفِ، فَلَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ بِهَا إلَّا بِقَيْدٍ يُخْرِجُهَا عَنْ الْمَعْنَى الْأَعَمِّ. وَلِهَذَا كَانَتْ كِنَايَةً فِيهِ. وَفِي جَمْعِ الشَّارِعِ بَيْنَ لَفْظَتَيْ التَّحْبِيسِ وَالتَّسْبِيلِ تَبْيِينٌ لَحَالَتَيْ الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ، فَإِنْ حَقِيقَةَ الْوَقْفِ ابْتِدَاءُ تَحْبِيسِهِ، وَدَوَامًا تَسْبِيلُ مَنْفَعَتِهِ. وَلِهَذَا حَدَّ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الْوَقْفَ بِأَنَّهُ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ وَتَسْبِيلُ الثَّمَرَةِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ، (وَكِنَايَتُهُ) أَيْ الْوَقْفِ (تَصَدَّقْتُ وَحَرَّمْتُ وَأَبَّدْتُ) لِعَدَمِ خُلُوصِ كُلٍّ مِنْهَا عَنْ الِاشْتِرَاكِ. فَالصَّدَقَةُ تُسْتَعْمَلُ فِي الزَّكَاةِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَالتَّحْرِيمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>