للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمُوجَبِ التَّدْبِيرِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بَعْدُ ; لِأَنَّ مِنْ مُوجَبِهِ مَنْعَ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ فَقَدْ صَارَ مَحْكُومًا بِعَدَمِ بَيْعِهِ فِي وَقْتِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلَّقَ مُكَلَّفٌ طَلَاقَ أَجْنَبِيَّةٍ عَلَى تَزْوِيجِهِ بِهَا وَحَكَمَ بِمُوجَبِهِ حَنَفِيٌّ أَوْ مَالِكِيٌّ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِهَا وَبَادَرَ شَافِعِيٌّ وَحَكَمَ بِاسْتِمْرَارِ الْعِصْمَةِ وَعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ نَفَذَ حُكْمُهُ، وَلَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِحُكْمِ الْأَوَّلِ بِمُوجَبِ التَّعْلِيقِ ; لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ لَوْ تَزَوَّجَ بِهَا ; لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَمْ يَقَعْ إلَى الْآنَ فَكَيْفَ يَحْكُمُ عَلَى مَا لَمْ يَقَعْ؟ ، وَمِنْهَا إذَا كَانَ الصَّادِرُ صَحِيحًا بِاتِّفَاقٍ وَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي مُوجَبِهِ، فَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْعَمَلِ بِمُوجَبِهِ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ بِالصِّحَّةِ، وَلَوْ حَكَمَ فِيهِ بِالْمُوجَبِ امْتَنَعَ الْعَمَلُ بِمُوجَبِهِ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ بِالْمُوجَبِ، وَلَا بَأْسَ بِهَذَا الْفَرْقِ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ جَاءَ وَقْتُ الْحُكْمِ بِمُوجَبِهِ فَمَتَى لَمْ يَجِئْ وَقْتُهُ فَلِغَيْرِهِ الْحُكْمُ بِمُوجَبِهِ عِنْدَهُ عِنْدَ مَجِيءِ وَقْتِهِ.

وَقَدْ يَكُونُ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ أَقْوَى كَمَا لَوْ حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِمُوجَبِ شِرَاءِ دَارٍ فَلَيْسَ لِلْحَنَفِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِشُفْعَتِهَا لِلْجَارِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الشَّافِعِيُّ حَكَمَ بِالصِّحَّةِ، وَكَذَا لَوْ حَكَمَ بِصِحَّةِ التَّدْبِيرِ لَمْ يَمْنَعْ حُكْمَ الشَّافِعِيِّ بِبَيْعِهِ بَعْدُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَكَمَ بِمُوجَبِهِ، وَكَذَا لَوْ حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِصِحَّةِ إجَارَةٍ ثُمَّ مَاتَ مُؤَجِّرٌ فَلِلْحَنَفِيِّ إبْطَالُهَا بِالْمَوْتِ، وَلَوْ كَانَ حَكَمَ بِمُوجَبِهَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَنَفِيِّ الْحُكْمُ بِإِبْطَالِهَا بِالْمَوْتِ ; لِأَنَّ مِنْ مُوجَبِهَا الدَّوَامَ وَالِاسْتِمْرَارَ لِلْوَرَثَةِ. وَنَازَعَ الْعِرَاقِيُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهَا بِأَنَّ الْحُكْمَ بِمُوجَبِ الْإِجَارَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ يَتَوَجَّهْ إلَى عَدَمِ الِانْفِسَاخِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَجِئْ وَقْتُهُ وَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُهُ. وَلَوْ وَجَّهَ الْحُكْمَ إلَيْهِ فَقَالَ: حَكَمْتُ بِعَدَمِ انْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ إذَا مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حُكْمًا، وَكَيْفَ يَحْكُمُ عَلَى مَا لَمْ يَقَعْ؟ قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ عَدَمَ انْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ هُوَ مَعْنَى لُزُومِهَا وَهُوَ مَوْجُودٌ مُنْذُ تَفَرَّقَا مِنْ الْمَجْلِسِ، فَهُوَ كَمَنْعِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ عِنْدَ الْحَنَفِيّ بِلَا فَرْقٍ. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ شَيْخِهِ الْبُلْقِينِيِّ ضَابِطًا وَهُوَ أَنَّ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ إنْ كَانَ صِحَّةُ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَكَانَتْ لَوَازِمُهُ لَا تَتَرَتَّبُ إلَّا بَعْدَ صِحَّتِهِ، كَانَ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ رَافِعًا لِخِلَافٍ وَاسْتَوَيَا حِينَئِذٍ.

وَإِنْ كَانَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ الْآثَارَ وَاللَّوَازِمَ كَانَ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ غَيْرَ رَافِعٍ لِلْخِلَافِ، وَكَانَ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ رَافِعًا وَقَوِيَ الْمُوجَبُ حِينَئِذٍ، وَإِنْ كَانَتْ آثَارُهُ تَتَرَتَّبُ مَعَ فَسَادِهِ قَوِيَ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ عَلَى الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ، لَكِنْ لَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ بِمُوجَبِ وَقْفٍ شُرِطَ فِيهِ التَّغْيِيرُ وَالزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ، فَهَلْ لِلشَّافِعِيِّ الْمُبَادَرَةُ بَعْدَ التَّغْيِيرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>