للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: ٦] أَيْ إصْلَاحًا فِي أَمْوَالِهِمْ ; وَلِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ، وَمَنْ كَانَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ شَرْطُهُ، وَالْعَدَالَةُ لَا تُعْتَبَرُ فِي الرُّشْدِ دَوَامًا فَلَا تُعْتَبَرُ فِي الِابْتِدَاءِ كَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْفَاسِقَ غَيْرُ رَشِيدٍ يُنْتَقَضُ بِالْكَافِرِ فَإِنَّهُ غَيْرُ رَشِيدٍ فِي دَيْنِهِ وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِهِ

(وَلَا يُعْطَى) مَنْ بَلَغَ رَشِيدًا ظَاهِرًا (مَالَهُ حَتَّى يُخْتَبَرَ، وَمَحِلُّهُ) أَيْ الِاخْتِبَارِ (قَبْلَ بُلُوغٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: ٦]- الْآيَةَ وَالدَّلِيلُ مِنْهَا مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ: " الْيَتَامَى " وَإِنَّمَا يَكُونُونَ يَتَامَى قَبْلَ الْبُلُوغِ، الثَّانِي: أَنَّ مُدَّةَ اخْتِبَارِهِمْ إلَى الْبُلُوغِ بِلَفْظِ " حَتَّى " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاخْتِبَارَ قَبْلَهُ، وَتَأْخِيرُ الِاخْتِبَارِ إلَى الْبُلُوغِ يُؤَدِّي إلَى الْحَجْرِ عَلَى الْبَالِغِ الرَّشِيدِ ; لِأَنَّ الْحَجْرَ يَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُخْتَبَرَ وَيُعْلَمَ رُشْدُهُ، وَلَا يَخْتَبِرُ إلَّا مَنْ يَعْرِفُ الْمَصْلَحَةَ مِنْ الْمَفْسَدَةِ، وَتَصَرُّفُهُ حَالَ الِاخْتِبَارِ صَحِيحٌ (بِ) تَصَرُّفٍ (لَائِقٍ بِهِ) مُتَعَلِّقٌ ب يُخْتَبَرُ.

(وَ) حَتَّى (يُؤْنَسُ رُشْدُهُ) أَيْ يُعْلَمَ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ (فَوَلَدُ تَاجِرٍ) يُؤْنَسُ رُشْدُهُ (بِأَنْ يَتَكَرَّرَ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ فَلَا يُغْبَنُ غَالِبًا غَبْنًا فَاحِشًا وَ) يُؤْنَسُ رُشْدُ (وَلَدِ رَئِيسٍ وَكَاتِبٍ بِاسْتِيفَاءٍ عَلَى وَكِيلِهِ) فِيمَا وَكَّلَهُ فِيهِ (وَ) يُؤْنَسُ رُشْدُ (أُنْثَى بِاشْتِرَاءِ قُطْنٍ وَاسْتِجَادَتِهِ وَدَفْعِهِ وَ) دَفْعِ (أُجْرَتِهِ لِلْغَزَّالَاتِ وَاسْتِيفَاءٍ عَلَيْهِنَّ) أَيْ الْغَزَّالَاتِ (وَ) يُعْتَبَرُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إينَاسِ رُشْدِهِ (أَنْ يَحْفَظَ كُلَّ مَا فِي يَدِهِ عَنْ صَرْفِهِ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ) كَحَرْقِ نِفْطٍ يَشْتَرِيهِ لِلتَّفَرُّجِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ (أَوْ) صَرْفِهِ فِي (حَرَامٍ كَقِمَارٍ وَغِنَاءٍ وَشِرَاءِ) شَيْءٍ (مُحَرَّمٍ) كَآلَةِ لَهْوٍ وَخَمْرٍ ; لِأَنَّ الْعُرْفَ يَعُدُّ مَنْ صَرَفَ مَالَهُ فِي ذَلِكَ سَفِيهًا مُبَذِّرًا وَقَدْ يُعَدُّ الشَّخْصُ سَفِيهًا بِصَرْفِهِ مَالَهُ فِي الْمُبَاحِ فَفِي الْحَرَامِ أَوْلَى، بِخِلَافِ صَرْفِهِ فِي بَابِ بِرٍّ كَصَدَقَةٍ أَوْ فِي مَطْعَمٍ وَمَشْرَبٍ وَمَلْبَسٍ وَمَنْكَحٍ لَا يَلِيقُ بِهِ، فَلَيْسَ بِتَبْذِيرٍ، إذْ لَا إسْرَافَ فِي الْخَيْرِ (وَمَنْ نُوزِعَ فِي رُشْدِهِ فَشَهِدَ بِهِ عَدْلَانِ ثَبَتَ) رُشْدُهُ ; لِأَنَّهُ قَدْ يُعْلَمُ بِالِاسْتِفَاضَةِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ عَدْلَانِ (فَادَّعَى) مَحْجُورٌ عَلَيْهِ (عِلْمَ وَلِيُّهُ) رُشْدَهُ (حَلَفَ) وَلِيُّهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ رُشْدَهُ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ مُدَّعٍ وَظَاهِرُ مَا يَأْتِي فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الدَّعَاوَى: إنْ لَمْ يَحْلِفْ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِرُشْدِهِ لِنُكُولِهِ

(وَمَنْ تَبَرَّعَ فِي) حَالِ (حَجْرِهِ) أَوْ بَاعَ وَنَحْوَهُ (فَثَبَتَ كَوْنُهُ) أَيْ الْمُتَبَرِّعِ وَنَحْوِهِ (مُكَلَّفًا رَشِيدًا نَفَذَ) تَصَرُّفُهُ لِتَبَيُّنِ أَهْلِيَّتِهِ لَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>