للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمَّا سَارَ يَزْدَجِرْدُ عَنْ حُلْوَانَ اسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا خَشْرَشْنُومَ، فَلَمَّا وَصَلَ الْقَعْقَاعُ قَصْرَ شِيرِينَ خَرَجَ عَلَيْهِ خَشْرَشْنُومُ وَقَدِمَ إِلَيْهِ الزَّيْنَبِيُّ دِهْقَانُ حُلْوَانَ، فَلَقِيَهُ الْقَعْقَاعُ، فَقَتَلَ الزَّيْنَبِيَّ، وَهَرَبَ خَشْرَشْنُومُ، وَاسْتَوْلَى الْمُسْلِمُونَ عَلَى حُلْوَانَ، وَبَقِيَ الْقَعْقَاعُ بِهَا إِلَى أَنْ تَحَوَّلَ سَعْدٌ إِلَى الْكُوفَةِ، فَلَحِقَهُ الْقَعْقَاعُ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى حُلْوَانَ قُبَاذَ، وَكَانَ أَصْلُهُ خُرَسَانِيًّا.

وَكَتَبُوا إِلَى عُمَرَ بِالْفَتْحِ وَبِنُزُولِ الْقَعْقَاعِ حُلْوَانَ، وَاسْتَأْذَنُوهُ فِي اتِّبَاعِهِمْ، فَأَبَى وَقَالَ: لَوَدِدْتُ أَنَّ بَيْنَ السَّوَادِ وَبَيْنَ الْجَبَلِ سَدًّا لَا يَخْلُصُونَ إِلَيْنَا وَلَا نَخْلُصُ إِلَيْهِمْ، حَسْبُنَا مِنَ الرِّيفِ السَّوَادَ، إِنِّي آثَرْتُ سَلَامَةَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْأَنْفَالِ. وَأَدْرَكَ الْقَعْقَاعُ فِي اتِّبَاعِهِ الْفُرْسَ مِهْرَانَ بِخَانِقِينَ فَقَتَلَهُ، وَأَدْرَكَ الْفَيْرُزَانَ فَنَزَلَ وَتَوَغَّلَ فِي الْجَبَلِ فَتَحَامَى، وَأَصَابَ الْقَعْقَاعُ سَبَايَا فَأَرْسَلَهُنَّ إِلَى هَاشِمٍ فَقَسَّمَهُنَّ، فَاتُّخِذْنَ فَوَلَدْنَ، وَمِمَّنْ يُنْسَبُ إِلَى ذَلِكَ السَّبْيِ أُمُّ الشَّعْبِيِّ.

وَقُسِّمَتِ الْغَنِيمَةُ، وَأَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَوَارِسِ تِسْعَةَ آلَافٍ وَتِسْعَةً مِنَ الدَّوَابِّ.

وَقِيلَ: إِنَّ الْغَنِيمَةَ كَانَتْ ثَلَاثِينَ أَلْفَ أَلْفٍ، فَقَسَّمَهَا سَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَبَعَثَ سَعْدٌ بِالْأَخْمَاسِ إِلَى عُمَرَ، وَبَعَثَ الْحِسَابَ مَعَ زِيَادِ بْنِ أَبِيهِ، فَكَلَّمَ عُمَرَ فِيمَا جَاءَ لَهُ وَوَصَفَ لَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَقُومَ فِي النَّاسِ بِمِثْلِ مَا كَلَّمْتَنِي بِهِ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا عَلَى الْأَرْضِ أَهْيَبُ فِي صَدْرِي مِنْكَ، فَكَيْفَ لَا أَقْوَى عَلَى هَذَا مِنْ غَيْرِكَ! فَقَامَ فِي النَّاسِ بِمَا أَصَابُوا وَمَا صَنَعُوا، وَبِمَا يَسْتَأْنِفُونَ مِنَ الِانْسِيَاحِ فِي الْبِلَادِ. فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا الْخَطِيبُ الْمِصْقَعُ. فَقَالَ: إِنَّ جُنْدَنَا أَطْلَقُوا أَلْسِنَتَنَا.

فَلَمَّا قَدِمَ الْخَمُسُ عَلَى عُمَرَ قَالَ: وَاللَّهِ لَا يُجِنُّهُ سَقْفٌ حَتَّى أُقَسِّمَهُ. فَبَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ يَحْرُسَانِهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ فِي النَّاسِ فَكَشَفَ عَنْهُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى يَاقُوتِهِ وَزَبَرْجَدِهِ وَجَوْهَرِهِ بَكَى، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَوَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَمَوْطِنُ شُكْرٍ! . فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا ذَلِكَ يُبْكِينِي،

<<  <  ج: ص:  >  >>