للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَتَرَكَا نُعَيْمًا وَنُعَيْمًا وَأَتَيَا سُلْمَى وَحَرْمَلَةَ وَقَالَا: أَنْتُمَا مِنَ الْعَشِيرَةِ وَلَيْسَ لَكُمَا مَنْزِلٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ كَذَا وَكَذَا فَانْهَدَا لِلْهُرْمُزَانِ، فَإِنَّ أَحَدَنَا يَثُورُ بِمَنَاذِرَ، وَالْآخَرَ بِنَهْرِ تِيرَى، فَنَقْتُلُ الْمُقَاتِلَةَ، ثُمَّ يَكُونُ وَجْهُنَا إِلَيْكُمْ، فَلَيْسَ دُونَ الْهُرْمُزَانِ شَيْءٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَرَجَعَا وَقَدِ اسْتَجَابَا، وَاسْتَجَابَ قَوْمُهُمَا بَنُو الْعَمِّ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانُوا يَنْزِلُونَ خُوزِسْتَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فَأَهْلُ الْبِلَادِ يَأْمَنُونَهُمْ. فَلَمَّا كَانَ تِلْكَ اللَّيْلَةُ لَيْلَةَ الْمَوْعِدِ بَيْنَ سُلْمَى وَحَرْمَلَةَ وَغَالِبٍ وَكُلَيْبٍ، وَكَانَ الْهُرْمُزَانُ يَوْمَئِذٍ بَيْنَ نَهْرِ تِيرَى وَبَيْنَ دُلُثَ، وَخَرَجَ سُلْمَى وَحَرْمَلَةُ صَبِيحَتَهُمَا فِي تَعْبِئَةٍ وَأَنْهَضَا نُعَيْمًا وَمَنْ مَعَهُ، فَالْتَقَوْا هُمْ وَالْهُرْمُزَانُ بَيْنَ دُلُثَ وَنَهْرِ تِيرَى، وَسُلْمَى بْنُ الْقَيْنِ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَنُعَيْمُ بْنُ مُقَرِّنٍ عَلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَاقْتَتَلُوا.

فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ أَقْبَلَ مَدَدٌ مِنْ قِبَلِ غَالِبٍ وَكُلَيْبٍ، وَأَتَى الْهُرْمُزَانَ الْخَبَرُ بِأَنَّ مَنَاذِرَ نَهْرِ تِيرَى قَدْ أُخِذُوا، فَكَسَرَ ذَلِكَ قَلْبَ الْهُرْمُزَانِ وَمَنْ مَعَهُ، وَهَزَمَهُ اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ، فَقَتَلَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ مَا شَاءُوا وَأَصَابُوا مَا شَاءُوا، وَاتَّبَعُوهُمْ حَتَّى وَقَفُوا عَلَى شَاطِئِ دُجَيْلٍ، وَأَخَذُوا مَا دُونَهُ وَعَسْكَرُوا بِحِيَالِ سُوقِ الْأَهْوَازِ، وَعَبَرَ الْهُرْمُزَانُ جِسْرَ سُوقِ الْأَهْوَازِ وَأَقَامَ، وَصَارَ دُجَيْلٌ بَيْنَ الْهُرْمُزَانِ وَالْمُسْلِمِينَ. فَلَمَّا رَأَى الْهُرْمُزَانُ مَا لَا طَاقَةَ لَهُ بِهِ طَلَبَ الصُّلْحَ، فَاسْتَأْمَرُوا عُتْبَةَ، فَأَجَابَ إِلَى ذَلِكَ عَلَى الْأَهْوَازِ كُلِّهَا وَمِهْرَجَانَقَذَقَ، مَا خَلَا نَهْرَ تِيرَى وَمَنَاذِرَ، وَمَا غَلَبُوا عَلَيْهِ مِنْ سُوقِ الْأَهْوَازِ فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ، وَجَعَلَ سُلْمَى عَلَى مَنَاذِرَ مَسْلَحَةً وَأَمْرُهَا إِلَى غَالِبٍ، وَحَرْمَلَةَ عَلَى نَهْرِ تِيرَى وَأَمْرُهَا إِلَى كُلَيْبٍ، فَكَانَا عَلَى مَسَالِحِ الْبَصْرَةِ. وَهَاجَرَتْ طَوَائِفُ مِنْ بَنِي الْعَمِّ فَنَزَلُوا الْبَصْرَةَ.

وَوَفَّدَ عُتْبَةُ وَفْدًا إِلَى عُمَرَ، مِنْهُمْ: سُلْمَى وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَأَمَرَهُمْ عُمَرُ أَنْ يَرْفَعُوا حَوَائِجَهُمْ، فَكَلَّمَهُمْ قَالَ: أَمَّا الْعَامَّةُ فَأَنْتَ صَاحَبُهَا، وَطَلَبُوا لِأَنْفُسِهِمْ، إِلَّا مَا كَانَ مِنَ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّكَ كَمَا ذَكَرُوا، وَلَقَدْ يَعْزُبُ عَنْكَ مَا يَحِقُّ عَلَيْنَا إِنْهَاؤُهُ إِلَيْكَ مِمَّا فِيهِ صَلَاحُ الْعَامَّةِ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ الْوَالِي فِيمَا غَابَ عَنْهُ بِأَعْيُنِ أَهْلِ الْخَبَرِ وَيَسْمَعُ بِآذَانِهِمْ، فَإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ نَزَلُوا فِي مِثْلِ حَدَقَةِ الْبَعِيرِ الْغَاسِقَةِ مِنَ الْعُيُونِ الْعِذَابِ وَالْجِنَانِ الْخِصَابِ فَتَأْتِيهِمْ ثِمَارُهُمْ وَلَمْ يَحْصُدُوا، وَإِنَّا مَعْشَرَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ نَزَلْنَا سَبَخَةً وَزَعَقَّةً نَشَّاشَةً، طَرَفٌ لَهَا فِي الْفَلَاةِ وَطَرَفٌ لَهَا فِي الْبَحْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>