للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَهْلِ الشُّورَى! فَتَنَافَسَ الْقَوْمُ فِي الْأَمْرِ، وَكَثُرَ فِيهِمُ الْكَلَامُ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا كُنْتُ لَأَنْ تَدْفَعُوهَا أَخْوَفَ مِنِّي لَأَنْ تَتَنَافَسُوهَا، وَالَّذِي ذَهَبَ بِنَفْسِ عُمَرَ لَا أَزِيدُكُمْ عَلَى الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي أَمَرَ، ثُمَّ أَجْلِسُ فِي بَيْتِي فَأَنْظُرُ مَا تَصْنَعُونَ! فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَيُّكُمْ يُخْرِجُ مِنْهَا نَفْسَهُ وَيَتَقَلَّدُهَا عَلَى أَنْ يُوَلِّيَهَا أَفْضَلَكُمْ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ. فَقَالَ: فَأَنَا أَنْخَلِعُ مِنْهَا. فَقَالَ عُثْمَانُ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ رَضِيَ. فَقَالَ الْقَوْمُ: قَدْ رَضِينَا. وَعَلِيٌّ سَاكِتٌ. فَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا الْحَسَنِ؟ قَالَ: أَعْطِنِي مَوْثِقًا لَتُؤْثِرَنَّ الْحَقَّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى وَلَا تَخُصَّ ذَا رَحِمٍ وَلَا تَأْلُو الْأُمَّةَ نُصْحًا. فَقَالَ: أَعْطُونِي مَوَاثِيقَكُمْ عَلَى أَنْ تَكُونُوا مَعِيَ عَلَى مَنْ بَدَّلَ وَغَيَّرَ وَأَنْ تَرْضَوْا مَنِ اخْتَرْتُ لَكُمْ، وَعَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ أَنْ لَا أَخُصَّ ذَا رَحِمٍ لِرَحِمِهِ وَلَا آلُو الْمُسْلِمِينَ، فَأَخَذَ مِنْهُمْ مِيثَاقًا وَأَعْطَاهُمْ مِثْلَهُ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ: تَقُولُ إِنِّي أَحَقُّ مَنْ حَضَرَ بِهَذَا الْأَمْرِ ; لِقَرَابَتِكَ وَسَابِقَتِكَ وَحُسْنِ أَثَرِكَ فِي الدِّينِ وَلَمْ تُبْعِدْ، وَلَكِنْ أَرَأَيْتَ لَوْ صُرِفَ هَذَا الْأَمْرُ عَنْكَ، فَلَمْ تَحْضُرْ، مَنْ كُنْتَ تَرَى مِنْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ أَحَقَّ بِهِ؟ قَالَ: عُثْمَانُ. وَخَلَا بِعُثْمَانَ فَقَالَ: تَقُولُ شَيْخٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَصِهْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَابْنُ عَمِّهِ، وَلِي سَابِقَةٌ وَفَضْلٌ، فَأَيْنَ يُصْرَفُ هَذَا الْأَمْرُ عَنِّي؟ وَلَكِنْ لَوْ لَمْ تَحْضُرْ؛ أَيَّ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ تَرَاهُ أَحَقَّ بِهِ؟ قَالَ: عَلِيٌّ.

وَلَقِيَ عَلِيٌّ سَعْدًا فَقَالَ لَهُ: {اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: ١] ، أَسْأَلُكَ بِرَحِمِ ابْنِي هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِرَحِمِ عَمِّي حَمْزَةَ مِنْكَ أَنْ تَكُونَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِعُثْمَانَ ظَهِيرًا.

وَدَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَيَالِيَهُ يَلْقَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَنْ وَافَى الْمَدِينَةَ مِنْ أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ يُشَاوِرُهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ اللَّيْلَةُ الَّتِي صَبِيحَتُهَا تَسْتَكْمِلُ الْأَجَلَ، أَتَى مَنْزِلَ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، فَأَيْقَظَهُ وَقَالَ لَهُ: لَمْ أَذُقْ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ كَبِيرَ غَمْضٍ، انْطَلِقْ فَادْعُ الزُّبَيْرَ وَسَعْدًا. فَدَعَاهُمَا. فَبَدَأَ بِالزُّبَيْرِ فَقَالَ لَهُ: خَلِّ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَهَذَا الْأَمْرَ. قَالَ: نَصِيبِي لِعَلِيٍّ. وَقَالَ لِسَعْدٍ: اجْعَلْ نَصِيبَكَ لِي. فَقَالَ: إِنِ اخْتَرْتَ نَفْسَكَ فَنَعَمْ، وَإِنِ اخْتَرْتَ عُثْمَانَ فَعَلِيٌّ أَحَبُّ إِلَيَّ، أَيُّهَا الرَّجُلُ، بَايِعْ لِنَفْسِكَ وَأَرِحْنَا وَارْفَعْ رُءُوسَنَا. فَقَالَ لَهُ: قَدْ خَلَعْتُ نَفْسِي عَلَى أَنْ أَخْتَارَ، وَلَوْ لَمْ أَفْعَلْ لَمْ أَرُدَّهَا، إِنِّي رَأَيْتُ رَوْضَةً خَضْرَاءَ كَثِيرَةَ الْعُشْبِ، فَدَخَلَ فَحْلٌ مَا رَأَيْتُ أَكْرَمَ مِنْهُ فَمَرَّ كَأَنَّهُ سَهْمٌ، لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى شَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى قَطَعَهَا لَمْ يُعَرِّجْ، وَدَخَلَ بَعِيرٌ يَتْلُوهُ فَاتَّبَعَ أَثَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْهَا، ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>