للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُذْهِبَ الْأَحْزَانِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُفَارِقْهُ الْحُزْنُ وَالْبُكَاءُ مُدَّةَ غَيْبَةِ يُوسُفَ عَنْهُ.

قَالَ: فَلَمَّا دَخَلُوا مِصْرَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ، يَعْنِي أُمَّهُ وَأَبَاهُ، وَقِيلَ: كَانَتْ خَالَتَهُ. وَكَانَتْ أَمُّهُ قَدْ مَاتَتْ، وَخَرَّ لَهُ يَعْقُوبُ وَأُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ سُجَّدًا، وَكَانَ السُّجُودُ تَحِيَّةَ النَّاسِ لِلْمُلُوكِ، وَلَمْ يُرِدْ بِالسُّجُودِ وَضْعَ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْخُضُوعَ وَالتَّوَاضُعَ وَالِانْحِنَاءَ عِنْدَ السَّلَامِ كَمَا يُفْعَلُ الْآنَ بِالْمُلُوكِ. وَالْعَرْشُ: السَّرِيرُ. وَقَالَ: {يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} [يوسف: ١٠٠] .

وَكَانَ بَيْنَ رُؤْيَا يُوسُفَ وَمَجِيءِ يَعْقُوبَ أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَقِيلَ: ثَمَانُونَ سَنَةً، فَإِنَّهُ أُلْقِيَ فِي الْجُبِّ وَهُوَ ابْنُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَلَقِيَهُ وَهُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَعَاشَ بَعْدَ جَمْعِ شَمْلِهِ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَ وَلَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، وَأَوْصَى إِلَى أَخِيهِ يَهُودَا. وَقِيلَ كَانَتْ غَيْبَةُ يُوسُفَ عَنْ يَعْقُوبَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَقِيلَ: إِنَّ يُوسُفَ دَخَلَ مِصْرَ وَلَهُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَاسْتَوْزَرَهُ فِرْعَوْنُ بَعْدَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ قُدُومِهِ إِلَى مِصْرَ، وَكَانَتْ مُدَّةُ غَيْبَتِهِ عَنْ يَعْقُوبَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَكَانَ مُقَامُ يَعْقُوبَ بِمِصْرَ وَأَهْلِهِ مَعَهُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَمَّا مَاتَ يَعْقُوبُ أَوْصَى إِلَى يُوسُفَ أَنْ يَدْفِنَهُ مَعَ أَبِيهِ إِسْحَاقَ، فَفَعَلَ يُوسُفُ، فَسَارَ بِهِ إِلَى الشَّامِ فَدَفَنَهُ عِنْدَ أَبِيهِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى مِصْرَ وَأَوْصَى يُوسُفُ أَنْ يُحْمَلَ مِنْ مِصْرَ وَيُدْفَنَ عِنْدَ آبَائِهِ، فَحَمَلَهُ مُوسَى لَمَّا خَرَجَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ.

وَوَلَدَ يُوسُفُ إِفْرَائِيمَ وَمَنْشَى، فَوُلِدَ لِإِفْرَائِيمَ نُونٌ، وَلِنُونَ يُوشَعُ فَتَى مُوسَى، وَوُلِدَ لِمَنْشَى مُوسَى، قَبْلَ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وَزَعَمَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ أَنَّهُ مُوسَى الْخَضِرُ، وَوُلِدَ لَهُ رَحْمَةُ امْرَأَةُ أَيُّوبَ فِي قَوْلٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>