للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْوَلِيدِ، فَلَمَّا قَدِمَهَا الْوَلِيدُ كَانَ مَرْوَانُ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ مُتَكَارِهًا، فَلَمَّا رَأَى الْوَلِيدُ ذَلِكَ مِنْهُ شَتَمَهُ عِنْدَ جُلَسَائِهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مَرْوَانَ فَانْقَطَعَ عَنْهُ وَلَمْ يَزَلْ مُصَارِمًا لَهُ حَتَّى جَاءَ نَعْيُ مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا عَظُمَ عَلَى الْوَلِيدِ هَلَاكُهُ وَمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ بَيْعَةِ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ، اسْتَدْعَى مَرْوَانَ فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ بِمَوْتِ مُعَاوِيَةَ اسْتَرْجَعَ وَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ، وَاسْتَشَارَهُ الْوَلِيدُ كَيْفَ يَصْنَعُ.

قَالَ: أَرَى أَنْ تَدْعُوَهُمُ السَّاعَةَ وَتَأْمُرَهُمْ بِالْبَيْعَةِ، فَإِنْ فَعَلُوا قَبِلْتَ مِنْهُمْ وَكَفَفْتَ عَنْهُمْ، وَإِنْ أَبَوْا ضَرَبْتَ أَعْنَاقَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِمَوْتِ مُعَاوِيَةَ، فَإِنَّهُمْ إِنْ عَلِمُوا بِمَوْتِهِ وَثَبَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِنَاحِيَةٍ وَأَظْهَرَ الْخِلَافَ وَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ، أَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَلَا يَرَى الْقِتَالَ وَلَا يُحِبُّ أَنْ يَلِيَ عَلَى النَّاسِ إِلَّا أَنْ يُدْفَعَ إِلَيْهِ هَذَا الْأَمْرُ عَفْوًا.

فَأَرْسَلَ الْوَلِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، وَهُوَ غُلَامٌ حَدَثٌ، إِلَى الْحُسَيْنِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ يَدْعُوهُمَا، فَوَجَدَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا جَالِسَانِ، فَأَتَاهُمَا فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنِ الْوَلِيدُ يَجْلِسُ فِيهَا لِلنَّاسِ فَقَالَ: أَجِيبَا الْأَمِيرَ.

فَقَالَا: انْصَرِفِ، الْآنَ نَأْتِيهِ.

وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لِلْحُسَيْنِ: مَا تَرَاهُ بَعَثَ إِلَيْنَا فِي هَذِهِ السَّاعَةِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ يَجْلِسُ فِيهَا؟ فَقَالَ الْحُسَيْنُ: أَظُنُّ أَنَّ طَاغِيَتَهُمْ قَدْ هَلَكَ فَبَعَثَ إِلَيْنَا لِيَأْخُذَنَا بِالْبَيْعَةِ قَبْلَ أَنْ يَفْشُوَ فِي النَّاسِ الْخَبَرُ.

فَقَالَ: وَأَنَا مَا أَظُنُّ غَيْرَهُ، فَمَا تُرِيدُ أَنْ تَصْنَعَ؟ قَالَ الْحُسَيْنُ: أَجْمَعُ فِتْيَانِي السَّاعَةَ ثُمَّ أَمْشِي إِلَيْهِ وَأُجْلِسُهُمْ عَلَى الْبَابِ وَأَدْخُلُ عَلَيْهِ.

قَالَ: فَإِنِّي أَخَافُهُ عَلَيْكَ إِذَا دَخَلْتَ.

قَالَ: لَا آتِيهِ إِلَّا وَأَنَا قَادِرٌ عَلَى الِامْتِنَاعِ.

فَقَامَ فَجَمَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى بَابِ الْوَلِيدِ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ:

إِنِّي دَاخِلٌ فَإِذَا دَعَوْتُكُمْ أَوْ سَمِعْتُمْ صَوْتِي قَدْ عَلَا فَادْخُلُوا عَلَيَّ بِأَجْمَعِكُمْ وَإِلَّا فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ.

ثُمَّ دَخَلَ فَسَلَّمَ، وَمَرْوَانُ عِنْدَهُ، فَقَالَ الْحُسَيْنُ:

الصِّلَةُ خَيْرٌ مِنَ الْقَطِيعَةِ، وَالصُّلْحُ خَيْرٌ مِنَ الْفَسَادِ، وَقَدْ آنَ لَكُمَا أَنْ تَجْتَمِعَا، أَصْلَحَ اللَّهُ ذَاتَ بَيْنِكُمَا، وَجَلَسَ، فَأَقْرَأَهُ الْوَلِيدُ الْكِتَابَ، وَنَعَى لَهُ مُعَاوِيَةَ وَدَعَاهُ إِلَى الْبَيْعَةِ، فَاسْتَرْجَعَ الْحُسَيْنُ وَتَرَحَّمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَقَالَ: أَمَّا الْبَيْعَةُ فَإِنَّ مِثْلِي لَا يُبَايِعُ سِرًّا وَلَا يُجْتَزَأُ بِهَا مِنِّي سِرًّا، فَإِذَا خَرَجْتَ إِلَى النَّاسِ وَدَعَوْتَهُمْ لِلْبَيْعَةِ وَدَعَوْتَنَا مَعَهُمْ كَانَ الْأَمْرُ وَاحِدًا.

فَقَالَ الْوَلِيدُ، وَكَانَ يُحِبُّ الْعَافِيَةَ: انْصَرِفْ.

فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: لَئِنْ فَارَقَكَ السَّاعَةَ وَلَمْ يُبَايِعْ لَا قَدَرْتَ مِنْهُ عَلَى مِثْلِهَا أَبَدًا حَتَّى تَكْثُرَ الْقَتْلَى بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ، احْبِسْهُ فَإِنْ بَايَعَ وَإِلَّا ضَرَبْتَ عُنُقَهُ.

فَوَثَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>