للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَرَكْتَهُ، وَنَصَحَ الْأُمَّةَ وَالْإِمَامَ إِذْ غَشَشْتَهُ، وَسَمِعَ وَأَطَاعَ إِذْ عَصَيْتَهُ، أَنَا مُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍو.

فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَقِيلٍ: لِأُمِّكَ الثَّكْلُ مَا أَجَفَاكَ وَأَفَظَّكَ وَأَقْسَى قَلْبَكَ وَأَغْلَظَكَ! أَنْتَ يَا ابْنَ بَاهِلَةَ أَوْلَى بِالْحَمِيمِ وَالْخُلُودِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ مِنِّي! قَالَ: فَدَعَا عُمَارَةُ بْنُ عُقْبَةَ بِمَاءٍ بَارِدٍ فَصُبَّ لَهُ فِي قَدَحٍ فَأَخَذَ لِيَشْرَبَ فَامْتَلَأَ الْقَدَحُ دَمًا، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، فَقَالَ: لَوْ كَانَ مِنَ الرِّزْقِ الْمَقْسُومِ شَرِبْتُهُ.

وَأُدْخِلَ عَلَى ابْنِ زِيَادٍ فَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ بِالْإِمَارَةِ، فَقَالَ لَهُ الْحَرَسِيُّ: أَلَا تُسَلِّمُ عَلَى الْأَمِيرِ؟ فَقَالَ: إِنْ كَانَ يُرِيدُ قَتْلِي فَمَا سَلَامِي عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُرِيدُ قَتْلِي فَلْيَكْثُرَنَّ تَسْلِيمِي عَلَيْهِ.

فَقَالَ لَهُ ابْنُ زِيَادٍ: لَعَمْرِي لَتُقْتَلَنَّ! فَقَالَ: كَذَلِكَ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ: فَدَعْنِي أُوصِي إِلَى بَعْضِ قَوْمِي.

قَالَ: افْعَلْ.

فَقَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعْدٍ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَرَابَةً وَلِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ وَهِيَ سِرٌّ، فَلَمْ يُمْكِنْهُ مِنْ ذِكْرِهَا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ زِيَادٍ: لَا تَمْتَنِعْ مِنْ حَاجَةِ ابْنِ عَمِّكَ.

فَقَامَ مَعَهُ فَقَالَ: إِنَّ عَلَيَّ بِالْكُوفَةِ دَيْنًا اسْتَدَنْتُهُ مُنْذُ قَدِمْتُ الْكُوفَةَ سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَاقْضِهَا عَنِّي وَانْظُرْ جُثَّتِي فَاسْتَوْهِبْهَا فَوَارِهَا وَابْعَثْ إِلَى الْحُسَيْنِ مَنْ يَرُدُّهُ.

فَقَالَ عُمَرُ لِابْنِ زِيَادٍ: إِنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا

فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ: لَا يَخُونُكَ الْأَمِينُ وَلَكِنْ قَدْ يُؤْتَمَنُ الْخَائِنُ، أَمَّا مَالُكَ فَهُوَ لَكَ تَصْنَعُ بِهِ مَا شِئْتَ، وَأَمَّا الْحُسَيْنُ فَإِنْ لَمْ يُرِدْنَا لَمْ نُرِدْهُ، وَإِنْ أَرَادَنَا لَمْ نَكُفَّ عَنْهُ، وَأَمَّا جُثَّتُهُ فَإِنَّا لَنْ نُشَفِّعَكَ فِيهَا، وَقِيلَ إِنَّهُ قَالَ: أَمَّا جُثَّتُهُ فَإِنَّا إِذَا قَتَلْنَاهُ لَا نُبَالِي مَا صُنِعَ بِهَا.

ثُمَّ قَالَ لِمُسْلِمٍ: يَا ابْنَ عَقِيلٍ أَتَيْتَ النَّاسَ وَأَمْرُهُمْ جَمِيعٌ وَكَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةٌ لِتُشَتِّتَ بَيْنِهِمْ وَتُفَرِّقَ كَلِمَتَهُمْ! فَقَالَ: كَلَّا وَلَكِنَّ أَهْلَ هَذَا الْمِصْرِ زَعَمُوا أَنَّ أَبَاكَ قَتَلَ خِيَارَهُمْ وَسَفَكَ دِمَاءَهُمْ وَعَمِلَ فِيهِمْ أَعْمَالَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فَأَتَيْنَاهُمْ لِنَأْمُرَ بِالْعَدْلِ وَنَدْعُوَ إِلَى حُكْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

فَقَالَ: وَمَا أَنْتَ وَذَاكَ يَا فَاسِقُ؟ أَلَمْ يَكُنْ يُعْمَلُ بِذَلِكَ فِيهِمْ إِذْ أَنْتَ تَشْرَبُ الْخَمْرَ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: أَنَا أَشْرَبُ الْخَمْرَ! وَاللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّكَ غَيْرُ صَادِقٍ، وَأَنِّي لَسْتُ كَمَا ذَكَرْتَ، وَإِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ مِنِّي مَنْ يَلَغُ فِي دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فَيَقْتُلُ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ قَتْلَهَا عَلَى الْغَضَبِ وَالْعَدَاوَةِ، وَهُوَ يَلْهُو وَيَلْعَبُ كَأَنَّهُ لَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا.

فَقَالَ لَهُ ابْنُ زِيَادٍ: قَتَلَنِي اللَّهُ إِنْ لَمْ أَقْتُلْكَ قِتْلَةً لَمْ يُقْتَلْهَا أَحَدٌ فِي الْإِسْلَامِ! قَالَ: أَمَا إِنَّكَ أَحَقُّ مَنْ أَحْدَثَ فِي الْإِسْلَامِ مَا لَيْسَ فِيهِ، أَمَا إِنَّكَ لَا تَدَعُ سُوءَ الْقِتْلَةِ وَقُبْحَ الْمُثْلَةِ وَخُبْثَ السِّيرَةِ وَلُؤْمَ الْغَلَبَةِ وَلَا أَحَدَ مِنَ النَّاسِ أَحَقُّ بِهَا مِنْكَ.

فَشَتَمَهُ ابْنُ زِيَادٍ وَشَتَمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>