للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْقَوْمَ وَرَشِّفُوا الْخَيْلَ تَرْشِيفًا.

فَفَعَلُوا، وَكَانَ مَجِيءُ الْقَوْمِ مِنَ الْقَادِسِيَّةِ، أَرْسَلَهُمُ الْحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ التَّمِيمِيُّ فِي هَذِهِ الْأَلِفِ يَسْتَقْبِلُ الْحُسَيْنَ، فَلَمْ يَزَلْ مُوَاقِفًا الْحُسَيْنَ حَتَّى حَضَرَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ، فَأَمْرَ الْحُسَيْنُ مُؤَذِّنَهُ بِالْأَذَانِ فَأَذَّنَ، وَخَرَجَ الْحُسَيْنُ إِلَيْهِمْ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهَا مَعْذِرَةٌ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكُمْ، إِنِّي لَمْ آتِكُمْ حَتَّى أَتَتْنِي كُتُبُكُمْ وَرُسُلُكُمْ أَنْ أَقْدِمْ إِلَيْنَا فَلَيْسَ لَنَا إِمَامٌ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنَا بِكَ عَلَى الْهُدَى، فَقَدْ جِئْتُكُمْ، فَإِنْ تُعْطُونِي مَا أَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ مِنْ عُهُودِكُمْ أَقْدَمُ مِصْرَكُمْ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا أَوْ كُنْتُمْ لِمَقَدَمِي كَارِهِينَ انْصَرَفْتُ عَنْكُمْ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَقْبَلْتُ مِنْهُ.

فَسَكَتُوا وَقَالُوا لِلْمُؤَذِّنِ: أَقِمْ، فَأَقَامَ، وَقَالَ الْحُسَيْنُ لِلْحُرِّ: أَتُرِيدُ أَنْ تُصَلِّيَ أَنْتَ بِأَصْحَابِكَ؟ فَقَالَ: بَلْ صَلِّي أَنْتَ وَنُصَلِّي بِصَلَاتِكَ.

فَصَلَّى بِهِمُ الْحُسَيْنُ، ثُمَّ دَخَلَ وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ وَانْصَرَفَ الْحُرُّ إِلَى مَكَانِهِ، ثُمَّ صَلَّى بِهِمُ الْحُسَيْنُ الْعَصْرَ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَهُمْ بِوَجْهِهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:

أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّكُمْ إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ وَتَعْرِفُوا الْحَقَّ لِأَهْلِهِ يَكُنْ أَرْضَى لِلَّهِ، وَنَحْنُ أَهْلُ الْبَيْتِ أَوْلَى بِوِلَايَةِ هَذَا الْأَمْرِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُدَّعِينَ مَا لَيْسَ لَهُمْ وَالسَّائِرِينَ فِيكُمْ بِالْجَوْرِ وَالْعُدْوَانِ، فَإِنْ أَنْتُمْ كَرِهْتُمُونَا وَجَهِلْتُمْ حَقَّنَا وَكَانَ رَأْيُكُمْ غَيْرَ مَا أَتَتْنِي بِهِ كُتُبُكُمْ وَرُسُلُكُمُ انْصَرَفْتُ عَنْكُمْ.

فَقَالَ الْحُرُّ: إِنَّا وَاللَّهِ مَا نَدْرِي مَا هَذِهِ الْكُتُبُ وَالرُّسُلُ الَّتِي تَذْكُرُ.

فَأَخْرَجَ خُرْجَيْنِ مَمْلُوءَيْنِ صُحُفًا فَنَثَرَهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ.

فَقَالَ الْحُرُّ: فَإِنَّا لَسْنَا مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَتَبُوا إِلَيْكَ، وَقَدْ أُمِرْنَا أَنَّا إِذَا نَحْنُ لَقِينَاكَ أَنْ لَا نُفَارِقَكَ حَتَّى نُقْدِمَكَ الْكُوفَةَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ.

فَقَالَ الْحُسَيْنُ: الْمَوْتُ أَدْنَى إِلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ! ثُمَّ أَمَرَ أَصْحَابَهُ فَرَكِبُوا لِيَنْصَرِفُوا فَمَنْعَهُمُ الْحُرُّ مِنْ ذَلِكَ.

فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ! مَا تُرِيدُ؟ قَالَ لَهُ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ غَيْرُكَ مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُهَا لِي مَا تَرَكْتُ ذِكْرَ أُمِّهِ بِالثَّكْلِ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ مَا لِي إِلَى ذِكْرِ أُمِّكَ مِنْ سَبِيلٍ إِلَّا بِأَحْسَنِ مَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ.

فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ: مَا تُرِيدُ؟ قَالَ الْحُرُّ: أُرِيدُ أَنْ أَنْطَلِقَ بِكَ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ.

قَالَ الْحُسَيْنُ: إِذَنْ وَاللَّهِ لَا أَتْبَعُكَ.

قَالَ الْحُرُّ: إِذَنْ وَاللَّهِ لَا أَدَعُكَ.

فَتَرَادَّا الْكَلَامَ، فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ: إِنِّي لَمْ أُؤْمَرْ بِقِتَالِكَ وَإِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ لَا أُفَارِقَكَ حَتَّى أُقْدِمَكَ الْكُوفَةَ، [فَإِذَا أَبَيْتَ] فَخُذْ طَرِيقًا لَا تُدْخِلُكَ الْكُوفَةَ وَلَا تَرُدُّكَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>