للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَبْلُغُكَ كِتَابِي وَيَقْدَمُ عَلَيْكَ رَسُولِي فَلَا تُنْزِلْهُ إِلَّا بِالْعَرَاءِ فِي غَيْرِ حِصْنٍ وَعَلَى غَيْرِ مَاءٍ، وَقَدْ أَمَرْتُ رَسُولِي أَنْ يَلْزَمَكَ فَلَا يُفَارِقَكَ حَتَّى يَأْتِيَنِي بِإِنْفَاذِكَ أَمْرِي، وَالسَّلَامُ.

فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ قَالَ لَهُمُ الْحُرُّ: هَذَا كِتَابُ الْأَمِيرِ يَأْمُرُنِي أَنْ أُجَعْجِعَ بِكُمْ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَأْتِينِي فِيهِ كِتَابُهُ، وَقَدْ أَمَرَ رَسُولَهُ أَنْ لَا يُفَارِقَنِي حَتَّى أُنْفِذَ رَأْيَهُ وَأَمْرَهُ.

وَأَخَذَهُمُ الْحُرُّ بِالنُّزُولِ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ وَلَا فِي قَرْيَةٍ، فَقَالُوا: دَعْنَا نَنْزِلْ فِي نِينَوَى أَوِ الْغَاضِرِيَّةَ أَوْ شُفَيَّةَ.

فَقَالَ لَا أَسْتَطِيعُ، هَذَا الرَّجُلُ قَدْ بَعَثَ عَيْنًا عَلَيَّ.

فَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ الْقَيْنِ لِلْحُسَيْنِ: إِنَّهُ لَا يَكُونُ وَاللَّهِ بَعْدَ مَا تَرَوْنَ إِلَّا مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ، وَإِنَّ قِتَالَ هَؤُلَاءِ السَّاعَةَ أَهْوَنُ عَلَيْنَا مِنْ قِتَالِ مَنْ يَأْتِينَا مِنْ بَعْدِهِمْ، فَلَعَمْرِي لَيَأْتِيَنَّا مِنْ بَعْدِهِمْ مَا لَا قِبَلَ لَنَا بِهِ! فَقَالَ الْحُسَيْنُ: مَا كُنْتُ لِأَبْدَأَهُمْ بِالْقِتَالِ.

فَقَالَا لَهُ زُهَيْرٌ: سِرْ بِنَا إِلَى هَذِهِ الْقَرْيَةِ حَتَّى نَنْزِلَهَا فَإِنَّهَا حَصِينَةٌ وَهِيَ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ، فَإِنْ مَنَعُونَا قَاتَلْنَاهُمْ فَقِتَالُهُمْ أَهْوَنُ عَلَيْنَا مِنْ قِتَالِ مَنْ يَجِيءُ بَعْدَهُمْ.

فَقَالَ الْحُسَيْنُ: مَا هِيَ؟ قَالَ: الْعَقْرُ.

قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَقْرِ! ثُمَّ نَزَلَ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْخَمِيسِ الثَّانِي مِنْ مُحَرَّمٍ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ.

فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قِدَمَ عَلَيْهِمْ عُمَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مِنَ الْكُوفَةِ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ، وَكَانَ سَبَبُ مَسِيرِهِ إِلَيْهِ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ كَانَ قَدْ بَعَثَهُ عَلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ إِلَى دَسْتَبَى، وَكَانَتِ الدَّيْلَمُ قَدْ خَرَجُوا إِلَيْهَا وَغَلَبُوا عَلَيْهَا وَكَتَبَ لَهُ عَهْدَهُ عَلَى الرَّيِّ، فَعَسْكَرَ بِالنَّاسِ فِي حَمَّامِ أَعْيَنَ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحُسَيْنِ مَا كَانَ دَعَا ابْنُ زِيَادٍ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ وَقَالَ لَهُ: سِرْ إِلَى الْحُسَيْنِ فَإِذَا فَرَغْنَا مِمَّا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِرْتَ إِلَى عَمَلِكَ.

فَاسْتَعْفَاهُ.

فَقَالَ: نَعَمْ، عَلَى أَنْ تَرُدَّ عَهْدَنَا.

فَلَمَّا قَالَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ: أَمْهِلْنِي الْيَوْمَ حَتَّى أَنْظُرَ.

فَاسْتَشَارَ نُصَحَاءَهُ فَكُلُّهُمْ نَهَاهُ، وَأَتَاهُ حَمْزَةُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِهِ، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا خَالِيَ أَنْ تَسِيرَ إِلَى الْحُسَيْنِ فَتَأْثَمَ وَتَقْطَعَ رَحِمَكَ، فَوَاللَّهِ لَأَنْ تَخْرُجَ مِنْ دُنْيَاكَ وَمَالِكَ وَسُلْطَانِ الْأَرْضِ لَوْ كَانَ لَكَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَلْقَى اللَّهَ بِدَمِ الْحُسَيْنِ! فَقَالَ: أَفْعَلُ.

وَبَاتَ لَيْلَتَهُ مُفَكِّرًا فِي أَمْرِهِ، فَسُمِعَ وَهُوَ يَقُولُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>