للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَكَانَ الَّذِي قَتَلَهُ مُسْلِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الضَّبَابِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي خُشْكَارَةَ الْبَجَلِيُّ.

وَحَمَلَ شَمِرٌ فِي الْمَيْسَرَةِ فَثَبَتُوا لَهُ وَحَمَلُوا عَلَى الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَقُتِلَ الْكَلْبِيُّ وَقَدْ قَتَلَ رَجُلَيْنِ بَعْدَ الرَّجُلَيْنِ الْأَوَّلِينَ وَقَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا، فَقَتَلَهُ هَانِئُ بْنُ ثُبَيْتٍ الْحَضْرَمِيُّ وَبُكَيْرُ بْنُ حَيٍّ التَّيْمِيُّ مِنْ تَيْمِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَقَاتَلَ أَصْحَابُ الْحُسَيْنِ قِتَالًا شَدِيدًا وَهُمُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ فَارِسًا، فَلَمْ تَحْمِلْ عَلَى جَانِبٍ مِنْ خَيْلِ الْكُوفَةِ إِلَّا كَشَفَتْهُ.

فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَزْرَةُ بْنُ قَيْسٍ، وَهُوَ عَلَى خَيْلِ الْكُوفَةِ، بَعَثَ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ: أَلَا تَرَى مَا تَلْقَى خَيْلِي هَذَا الْيَوْمَ مِنْ هَذِهِ الْعِدَّةِ الْيَسِيرَةِ؟ ابْعَثْ إِلَيْهِمُ الرِّجَالَ وَالرُّمَاةَ.

فَقَالَ لِشَبَثِ بْنِ رِبْعِيٍّ: أَلَا تَقْدَمُ إِلَيْهِمْ! فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! شَيْخُ مُضَرَ وَأَهْلِ الْمِصْرِ عَامَّةً تَبْعَثُهُ فِي الرُّمَاةِ، لَمْ تَجِدْ لِهَذَا غَيْرِي! وَلَمْ يَزَالُوا يَرَوْنَ مَنْ شَبَثٍ الْكَرَاهَةَ لِلْقِتَالِ حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي إِمَارَةِ مُصْعَبٍ: لَا يُعْطِي اللَّهُ أَهْلَ هَذَا الْمِصْرِ خَيْرًا أَبَدًا وَلَا يُسَدِّدُهُمْ لِرُشْدٍ، أَلَا تَعْجَبُونَ أَنَّا قَاتَلْنَا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمَعَ ابْنِهِ آلَ أَبِي سُفْيَانَ خَمْسَ سِنِينَ ثُمَّ عَدَوْنَا عَلَى ابْنِهِ وَهُوَ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ نُقَاتِلُهُ مَعَ آلِ مُعَاوِيَةَ وَابْنِ سُمَيَّةَ الزَّانِيَةِ، ضَلَالٌ يَا لَكَ مِنْ ضَلَالٍ!

فَلَمَّا قَالَ شَبَثٌ ذَلِكَ دَعَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ الْحُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ فَبَعَثَ مَعَهُ الْمُجَفَّفَةَ وَخَمْسَمِائَةٍ مِنَ الْمُرَامِيَةِ، فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ رَشَقُوهُمْ بِالنَّبْلِ فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ عَقَرُوا خُيُولَهُمْ وَصَارُوا رَجَّالَةً كُلُّهُمْ، وَقَاتَلَ الْحُرُّ بْنُ يَزِيدَ رَاجِلًا قِتَالًا شَدِيدًا، فَقَاتَلُوهُمْ، إِلَى أَنِ انْتَصَفَ النَّهَارُ، أَشَدَّ قِتَالٍ خَلَقَهُ اللَّهُ، لَا يَقْدِرُونَ يَأْتُونَهُمْ إِلَّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ لِاجْتِمَاعِ مَضَارِبِهِمْ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عُمَرُ أَرْسَلَ رِجَالًا يُقَوِّضُونَهُمْ عَنْ أَيْمَانِهِمْ وَشَمَائِلِهِمْ لِيُحِيطُوا بِهِمْ، فَكَانَ النَّفَرُ مِنْ أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ الثَّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ يَتَخَلَّلُونَ الْبُيُوتَ فَيَقْتُلُونَ الرَّجُلَ وَهُوَ يُقَوِّضُ وَيَنْهَبُ، وَيَرْمُونَهُ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ يَعْقِرُونَهُ، فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ فَأُحْرِقَتْ، فَقَالَ لَهُمُ الْحُسَيْنُ: دَعَوْهُمْ فَلْيَحْرِقُوهَا فَإِنَّهُمْ إِذَا حَرَقُوهَا لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَجُوزُوا إِلَيْكُمْ مِنْهَا. فَكَانَ كَذَلِكَ.

وَخَرَجَتِ امْرَأَةُ الْكَلْبِيِّ فَجَلَسَتْ عِنْدَ رَأْسِهِ تَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ وَجْهِهِ وَتَقُولُ: هَنِيئًا لَكَ الْجَنَّةَ! فَأَمَرَ شَمِرٌ غُلَامًا اسْمُهُ رُسْتُمُ فَضَرَبَ رَأْسَهَا بِالْعَمُودِ فَمَاتَتْ مَكَانَهَا.

وَحَمَلَ شَمِرٌ حَتَّى بَلَغَ فُسْطَاطَ الْحُسَيْنِ وَنَادَى: عَلَيَّ بِالنَّارِ حَتَّى أَحُرِّقَ هَذَا الْبَيْتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>