للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْحُسَيْنِ فَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَحْلِهِ، فَقَالَ لَهُمُ الْحُسَيْنُ: وَيْلَكُمُ! إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دِينٌ وَلَا تَخَافُونَ يَوْمَ الْمَعَادِ فَكُونُوا أَحْرَارًا ذَوِي أَحْسَابٍ، امْنَعُوا رَحْلِي وَأَهْلِي مِنْ طُغَاتِكُمْ وَجُهَّالِكُمْ.

فَقَالُوا: ذَلِكَ لَكَ يَا ابْنَ فَاطِمَةَ.

وَأَقْدَمَ عَلَيْهِ شَمِرٌ بِالرَّجَّالَةِ مِنْهُمْ: أَبُو الْجَنُوبِ، وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْجُعْفِيُّ، وَالْقَشْعَمُ بْنُ نُذَيْرٍ الْجُعْفِيُّ، وَصَالِحُ بْنُ وَهْبٍ الْيَزَنِيُّ، وَسِنَانُ بْنُ أَنَسٍ النَّخَعِيُّ، وَخَوَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ الْأَصْبَحِيُّ، وَجَعَلَ شَمِرٌ يُحَرِّضُهُمْ عَلَى الْحُسَيْنِ وَهُوَ يَحْمِلُ عَلَيْهِمْ فَيَنْكَشِفُونَ عَنْهُ، ثُمَّ إِنَّهُمْ أَحَاطُوا بِهِ.

وَأَقْبَلَ إِلَى الْحُسَيْنِ غُلَامٌ مِنْ أَهْلِهِ فَقَامَ إِلَى جَنْبِهِ وَقَدْ أَهْوَى بَحْرُ بْنُ كَعْبِ بْنِ تَيْمِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ إِلَى الْحُسَيْنِ بِالسَّيْفِ، فَقَالَ الْغُلَامُ: يَا ابْنَ الْخَبِيثَةِ أَتَقْتُلُ عَمِّي! فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ، فَاتَّقَاهُ الْغُلَامُ بِيَدِهِ فَأَطَنَّهَا إِلَى الْجِلْدَةِ، فَنَادَى الْغُلَامُ: يَا أُمَّتَاهُ! فَاعْتَنَقَهُ الْحُسَيْنُ وَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ أَخِي اصْبِرْ عَلَى مَا نَزَلَ بِكَ فَإِنَّ اللَّهَ يُلْحِقُكَ بِآبَائِكَ الطَّاهِرِينَ الصَّالِحِينَ، بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلِيٍّ وَحَمْزَةَ وَجَعْفَرٍ وَالْحَسَنِ.

وَقَالَ الْحُسَيْنُ: اللَّهُمَّ أَمْسِكْ عَنْهُمْ قَطْرَ السَّمَاءِ وَامْنَعْهُمْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ! اللَّهُمَّ فَإِنْ مَتَّعْتَهُمْ إِلَى حِينٍ فَفَرِّقْهُمْ فِرَقًا وَاجْعَلْهُمْ طَرَائِقَ قِدَدًا وَلَا تُرْضِ عَنْهُمُ الْوُلَاةَ أَبَدًا، فَإِنَّهُمْ دَعَوْنَا لِيَنْصُرُونَا فَعَدَوْا عَلَيْنَا فَقَتَلُونَا!

ثُمَّ ضَارَبَ الرَّجَّالَةَ حَتَّى انْكَشَفُوا عَنْهُ، وَلَمَّا بَقِيَ الْحُسَيْنُ فِي ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ دَعَا بِسَرَاوِيلَ فَفَزَّرَهُ وَنَكَثَهُ لِئَلَّا يُسْلَبَهُ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ: لَوْ لَبِسْتَ تَحْتَهُ التُّبَّانَ.

قَالَ: ذَلِكَ ثَوْبُ مَذَلَّةٍ وَلَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَلْبَسَهُ.

فَلَمَّا قُتِلَ سَلَبَهُ بَحْرُ بْنُ كَعْبٍ، وَكَانَتْ يَدَاهُ فِي الشِّتَاءِ تَنْضَحَانِ بِالْمَاءِ، وَفِي الصَّيْفِ تَيْبَسَانِ كَأَنَّهُمَا عُودٌ.

وَحَمَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، فَحَمَلَ عَلَى الَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ فَتَفَرَّقُوا، ثُمَّ حَمَلَ عَلَى الَّذِينَ عَنْ يَسَارِهِ فَتَفَرَّقُوا، فَمَا رُئِيَ مَكْثُورٌ قَطُّ قَدْ قُتِلَ وَلَدُهُ وَأَهْلُ بَيْتِهِ وَأَصْحَابُهُ أَرْبَطَ جَأْشًا مِنْهُ، وَلَا أَمْضَى جَنَانًا وَلَا أَجْرَأَ مَقْدَمًا مِنْهُ، إِنْ كَانَتِ الرَّجَّالَةُ لَتَنْكَشِفُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ انْكِشَافَ الْمِعْزَى إِذَا شَدَّ فِيهَا الذِّئْبُ.

فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ خَرَجَتْ زَيْنَبُ وَهِيَ تَقُولُ: لَيْتَ السَّمَاءَ انْطَبَقَتْ عَلَى الْأَرْضِ! وَقَدْ دَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ، فَقَالَتْ: يَا عُمَرُ أَيُقْتَلُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَأَنْتَ تَنْظُرُ إِلَيْهِ؟ فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>