للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَتَّى سَالَتْ دُمُوعُهُ عَلَى خَدَّيْهِ وَلِحْيَتِهِ وَصَرَفَ وَجْهَهُ عَنْهَا.

وَكَانَ عَلَى الْحُسَيْنِ جُبَّةٌ مِنْ خَزٍّ، وَكَانَ مُعْتَمًّا مَخْضُوبًا بِالْوَسْمَةِ، وَقَاتَلَ رَاجِلًا قِتَالَ الْفَارِسِ الشُّجَاعِ يَتَّقِي الرَّمْيَةَ وَيَفْتَرِصُ الْعَوْرَةَ وَيَشُدُّ عَلَى الْخَيْلِ وَهُوَ يَقُولُ: أَعَلَى قَتْلِي تَجْتَمِعُونَ؟ أَمَا وَاللَّهِ لَا تَقْتُلُونَ بَعْدِي عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، اللَّهُ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ لِقَتْلِهِ مِنِّي! وَايْمُ اللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يُكْرِمَنِي اللَّهُ بِهَوَانِكُمْ ثُمَّ يَنْتَقِمَ لِي مِنْكُمْ مِنْ حَيْثُ لَا تَشْعُرُونَ! أَمَا وَاللَّهِ لَوْ قَتَلْتُمُونِي لَأَلْقَى اللَّهُ بَأْسَكُمْ بَيْنَكُمْ وَسَفَكَ دِمَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَرْضَى بِذَلِكَ مِنْكُمْ حَتَّى يُضَاعِفَ لَكُمُ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ.

قَالَ: وَمَكَثَ طَوِيلًا مِنَ النَّهَارِ، وَلَوْ شَاءَ النَّاسُ أَنْ يَقْتُلُوهُ لَقَتَلُوهُ وَلَكِنَّهُمْ كَانَ يَتَّقِي بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ وَيُحِبُّ هَؤُلَاءِ أَنْ يَكْفِيَهُمْ هَؤُلَاءِ، فَنَادَى شَمِرٌ فِي النَّاسِ: وَيْحَكُمْ مَاذَا تَنْتَظِرُونَ بِالرَّجُلِ؟ اقْتُلُوهُ ثَكِلَتْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ! فَحَمَلُوا عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَضَرَبَ زُرْعَةُ بْنُ شَرِيكٍ التَّمِيمِيُّ عَلَى كَفِّهِ الْيُسْرَى وَضَرَبَ أَيْضًا عَلَى عَاتِقِهِ ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُ وَهُوَ يَقُومُ وَيَكْبُو، وَحَمَلَ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ سِنَانُ بْنُ أَنَسٍ النَّخَعِيُّ فَطَعَنَهُ بِالرُّمْحِ فَوَقَعَ، وَقَالَ لِخَوَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ الْأَصْبَحِيِّ: احْتَزَّ رَأْسَهُ، فَأَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ فَضَعُفَ وَأُرْعِدَ، فَقَالَ لَهُ سِنَانٌ، فَتَّ اللَّهُ عَضُدَكَ! وَنَزَلَ إِلَيْهِ فَذَبَحَهُ وَاحْتَزَّ رَأْسَهُ فَدَفَعَهُ إِلَى خَوَلِيِّ، (وَسَلَبَ الْحُسَيْنَ مَا كَانَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَ سَرَاوِيلَهُ) بَحْرُ بْنُ كَعْبٍ (وَأَخَذَ قَيْسُ بْنُ الْأَشْعَثِ قَطِيفَتَهُ، وَهِيَ مِنْ خَزٍّ، فَكَانَ يُسَمَّى بَعْدُ قَيْسَ قَطِيفَةَ) ، وَأَخَذَ نَعْلَيْهِ الْأَوْدِيُّ، وَأَخَذَ سَيْفَهُ رَجُلٌ مِنْ دَارِمٍ، وَمَالَ النَّاسُ عَلَى الْوَرْسِ وَالْحُلَلِ وَالْإِبِلِ فَانْتَهَبُوهَا وَنَهَبُوا ثَقَلَهُ وَمَتَاعَهُ وَمَا عَلَى النِّسَاءِ حَتَّى إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ لَتَنْزِعُ ثَوْبَهَا مِنْ ظَهْرِهَا فَيُؤْخَذُ مِنْهَا.

وَوُجِدَ بِالْحُسَيْنِ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ طَعْنَةً وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ ضَرْبَةً (غَيْرَ الرَّمْيَةِ) .

وَأَمَّا سُوِيدُ بْنُ الْمُطَاعِ فَكَانَ قَدْ صُرِعَ فَوَقَعَ بَيْنَ الْقَتْلَى مُثْخَنًا بِالْجِرَاحَاتِ، فَسَمِعَهُمْ يَقُولُونَ: قُتِلَ الْحُسَيْنُ! فَوَجَدَ خِفَّةً فَوَثَبَ وَمَعَهُ سِكِّينٌ، وَكَانَ سَيْفُهُ قَدْ أُخِذَ

<<  <  ج: ص:  >  >>