للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَعْضَاءِ، وَبَنَاتُكَ سَبَايَا، وَذُرِّيَّتُكَ مُقَتَّلَةٌ تَسْفِي عَلَيْهَا الصَّبَا! فَأَبْكَتْ كُلَّ عَدُوٍّ وَصَدِيقٍ.

فَلَمَّا أَدْخَلُوهُمْ عَلَى ابْنِ زِيَادٍ لَبِسَتْ زَيْنَبُ أَرْذَلَ ثِيَابِهَا وَتَنَكَّرَتْ وَحُفَّتْ بِهَا إِمَاؤُهَا، فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: مَنْ هَذِهِ الْجَالِسَةُ؟ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ، فَقَالَ ذَلِكَ ثَلَاثًا وَهِيَ لَا تُكَلِّمُهُ، فَقَالَ بَعْضُ إِمَائِهَا: هَذِهِ زَيْنَبُ بِنْتُ فَاطِمَةَ.

فَقَالَ لَهَا ابْنُ زِيَادٍ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَحَكُمْ وَقَتَلَكُمْ وَأَكْذَبَ أُحْدُوثَتَكُمْ! فَقَالَتْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكْرَمْنَا بِمُحَمَّدٍ وَطَهَّرَنَا تَطْهِيرًا، لَا كَمَا تَقُولُ، وَإِنَّمَا يُفْتَضَحُ الْفَاسِقُ وَيُكَذَّبُ الْفَاجِرُ.

فَقَالَ: فَكَيْفَ رَأَيْتِ صُنْعَ اللَّهِ بِأَهْلِ بَيْتِكِ؟ قَالَتْ: كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ فَبَرَزُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ، وَسَيَجْمَعُ اللَّهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ فَتَخْتَصِمُونَ عِنْدَهُ.

فَغَضِبَ ابْنُ زِيَادٍ وَقَالَ: قَدْ شَفَى اللَّهُ غَيْظِي مِنْ طَاغِيَتِكِ وَالْعُصَاةِ الْمَرَدَةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكِ.

فَبَكَتْ وَقَالَتْ: لَعَمْرِي لَقَدْ قَتَلْتَ كَهْلِي، وَأَبْرَزْتَ أَهْلِي، وَقَطَعْتَ فَرْعِي، وَاجْتَثَثْتَ أَصْلِي، فَإِنْ يَشْفِكَ هَذَا فَقَدِ اشْتَفَيْتَ.

فَقَالَ لَهَا: هَذِهِ شَجَاعَةٌ، لَعَمْرِي لَقَدْ كَانَ أَبُوكِ شُجَاعًا! فَقَالَتْ: مَا لِلْمَرْأَةِ وَالشَّجَاعَةُ!

وَلَمَّا نَظَرَ ابْنُ زِيَادٍ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ.

قَالَ: أَوَلَمَ يَقْتُلِ اللَّهُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ؟ فَسَكَتَ.

فَقَالَ: مَا لَكَ لَا تَتَكَلَّمُ؟ فَقَالَ: كَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَيْضًا عَلِيٌّ فَقَتَلَهُ النَّاسُ.

فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُ.

فَسَكَتَ عَلِيٌّ.

فَقَالَ: مَا لَكَ لَا تَتَكَلَّمُ؟ فَقَالَ: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: ٤٢] ، {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران: ١٤٥] . قَالَ: أَنْتَ وَاللَّهِ مِنْهُمْ.

ثُمَّ قَالَ لِرَجُلٍ: وَيْحَكَ! انْظُرْ هَذَا هَلْ أَدْرَكَ؟ إِنِّي لَأَحْسَبُهُ رَجُلًا.

قَالَ فَكَشَفَ عَنْهُ مُرِّيُّ بْنُ مُعَاذٍ الْأَحْمَرِيُّ فَقَالَ: نَعَمْ قَدْ أَدْرَكَ.

قَالَ: اقْتُلْهُ.

فَقَالَ عَلِيٌّ: مَنْ تُوكِلُ بِهَذِهِ النِّسْوَةِ؟ وَتَعَلَّقَتْ بِهِ زَيْنَبُ فَقَالَتْ: يَا ابْنَ زِيَادٍ حَسْبُكَ مِنَّا، أَمَا رَوِيتَ مِنْ دِمَائِنَا، وَهَلْ أَبْقَيْتَ مِنَّا أَحَدًا! وَاعْتَنَقَتْهُ وَقَالَتْ: أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ إِنْ كُنْتَ مُؤْمِنًا إِنْ قَتَلْتَهُ لَمَا قَتَلْتَنِي مَعَهُ! وَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: يَا ابْنَ زِيَادٍ إِنْ كَانَتْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُنَّ قَرَابَةٌ فَابْعَثْ مَعَهُنَّ رَجُلًا تَقِيًّا يَصْحَبُهُنَّ بِصُحْبَةِ الْإِسْلَامِ.

فَنَظَرَ إِلَيْهَا سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: عَجَبًا لِلرَّحِمِ! وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّهَا وَدَّتْ لَوْ أَنِّي قَتَلْتُهُ أَنِّي قَتَلْتُهَا مَعَهُ، دَعُوا الْغُلَامَ يَنْطَلِقُ مَعَ نِسَائِهِ.

ثُمَّ نَادَى: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَهُمْ وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَظْهَرَ الْحَقَّ وَأَهْلَهُ، وَنَصَرَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدَ وَحِزْبَهُ، وَقَتَلَ الْكَذَّابَ ابْنَ الْكَذَّابِ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ وَشِيعَتَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>