للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ دَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ فَأَخَذَ أَهْلُ الشَّامِ يَرْمُونَهُمْ بِالنَّبْلِ، فَقَالَ ابْنُ الْغَسِيلِ لِأَصْحَابِهِ: عَلَامَ تُسْتَهْدَفُونَ لَهُمْ! مَنْ أَرَادَ التَّعْجِيلَ إِلَى الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ هَذِهِ الرَّايَةَ.

فَقَالَ إِلَيْهِ كُلُّ مُسْتَمِيتٍ فَنَهَضَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَاقْتَتَلُوا أَشَدَّ قِتَالٍ رُؤِيَ لِأَهْلِ هَذَا الْقِتَالِ، وَأَخَذَ ابْنُ الْغَسِيلِ يُقَدِّمُ بَنِيهِ وَاحِدًا وَاحِدًا، حَتَّى قُتِلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَضْرِبُ بِسَيْفِهِ وَيَقُولُ:

بُعْدًا لِمَنْ رَامَ الْفَسَادَ وَطَغَى ... وَجَانَبَ الْحَقَّ وَآيَاتِ الْهُدَى

لَا يُبْعِدُ الرَّحْمَنُ إِلَّا مَنْ عَصَى

ثُمَّ قُتِلَ وَقُتِلَ مَعَهُ أَخُوهُ لِأُمِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، فَقَالَ: مَا أُحِبُّ أَنَّ الدَّيْلَمَ قَتَلُونِي مَكَانَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ! وَقُتِلَ مَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ وَمُحَمَّدُ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيُّ. فَمَرَّ بِهِ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ فَقَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ! رُبَّ سَارِيَةٍ قَدْ رَأَيْتُكُ تُطِيلُ الْقِيَامَ فِي الصَّلَاةِ إِلَى جَنْبِهَا.

وَانْهَزَمَ النَّاسُ، وَكَانَ فِيمَنِ انْهَزَمَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ بَعْدَمَا أَبْلَى.

وَأَبَاحَ مُسْلِمٌ الْمَدِينَةَ ثَلَاثًا يَقْتُلُونَ النَّاسَ وَيَأْخُذُونَ الْمَتَاعَ وَالْأَمْوَالَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ مَنْ بِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ.

فَخَرَجَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ حَتَّى دَخَلَ فِي كَهْفِ الْجَبَلِ، فَتَبِعَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، (فَاقْتَحَمَ عَلَيْهِ الْغَارَ، فَانْتَضَى أَبُو سَعِيدٍ سَيْفَهُ يُخَوِّفُ بِهِ الشَّامِيَّ) ، فَلَمْ يَنْصَرِفْ عَنْهُ، فَعَادَ أَبُو سَعِيدٍ وَأَغْمَدَ سَيْفَهُ وَقَالَ: لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ.

فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ.

قَالَ: صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: نَعَمْ. فَتَرَكَهُ وَمَضَى.

وَقِيلَ: إِنَّ مُسْلِمًا لَمَّا نَزَلَ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ (خَرَجَ إِلَيْهِ أَهْلُهَا) بِجُمُوعٍ كَثِيرَةٍ وَهَيْئَةٍ حَسَنَةٍ، فَهَابَهُمْ أَهْلُ الشَّامِ وَكَرِهُوا أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ، فَلَمَّا رَآهُمْ مُسْلِمٌ، وَكَانَ شَدِيدَ الْوَجَعِ، سَبَّهُمْ وَذَمَّهُمْ وَحَرَّضَهُمْ، فَقَاتَلُوهُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>