للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَرْضَى أَنْ أَقْتُلَ بِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عِشْرَةً مِنْكُمْ.

وَأَخْذَ الْحُصَيْنُ يُكَلِّمُهُ سِرًّا، وَهُوَ يَجْهَرُ وَيَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ.

فَقَالَ لَهُ الْحُصَيْنُ: قَبَّحَ اللَّهُ مَنْ يَعُدُّكَ بَعْدُ (دَاهِيًا وَأَرِيبًا) قَدْ كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ لَكَ رَأْيًا، وَأَنَا أُكَلِّمُكَ سِرًّا وَتُكَلِّمُنِي جَهْرًا، وَأَدْعُوكَ إِلَى الْخِلَافَةِ (وَأَنْتَ لَا تُرِيدُ إِلَّا) الْقَتْلَ وَالْهَلَكَةَ.

ثُمَّ فَارَقَهُ وَرَحَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ نَحْوَ الْمَدِينَةِ، وَنَدِمَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى مَا صَنَعَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ: أَمَّا الْمَسِيرُ إِلَى الشَّامِ فَلَا أَفْعَلُهُ وَلَكِنْ بَايِعُوا لِي هُنَاكَ فَإِنِّي مُؤَمِّنُكُمْ وَعَادِلٌ فِيكُمْ.

فَقَالَ الْحُصَيْنُ: إِنْ لَمْ تَقْدَمْ بِنَفْسِكَ لَا يَتِمُّ الْأَمْرُ، فَإِنَّ هُنَاكَ نَاسًا مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ يَطْلُبُونَ هَذَا الْأَمْرَ.

وَسَارَ الْحُصَيْنُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَاجْتَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ، فَكَانَ لَا يَنْفَرِدُ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا أُخِذَتْ دَابَّتُهُ، فَلَمْ يَتَفَرَّقُوا، وَخَرَجَ مَعَهُمْ بَنُو أُمَيَّةَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الشَّامِ، وَلَوْ خَرَجَ مَعَهُمُ ابْنُ الزُّبَيْرِ لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ أَحَدٌ.

فَوَصَلَ أَهْلُ الشَّامِ دِمَشْقَ وَقَدْ بُويِعَ مُعَاوِيَةُ بْنُ يَزِيدَ، فَلَمْ يَمْكُثْ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ حَتَّى هَلَكَ، وَقِيلَ: بَلْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَمَاتَ.

وَعُمُرُهُ إِحْدَى وَعِشْرُونَ سَنَةً وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا.

وَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ إِمَارَتِهِ أَمَرَ فَنُودِيَ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي ضَعُفْتُ عَنْ أَمْرِكُمْ فَابْتَغَيْتُ لَكُمْ مِثْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حِينَ اسْتَخْلَفَهُ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ أَجِدْهُ، فَابْتَغَيْتُ سِتَّةً مِثْلَ [سِتَّةِ] الشُّورَى فَلَمْ أَجِدْهُمْ، فَأَنْتُمْ أَوْلَى بِأَمْرِكُمْ فَاخْتَارُوا لَهُ مَنْ أَحْبَبْتُمْ.

ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ وَتَغَيَّبَ حَتَّى مَاتَ.

وَقِيلَ: إِنَّهُ مَاتَ مَسْمُومًا، وَصَلَّى عَلَيْهِ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، ثُمَّ أَصَابَهُ الطَّاعُونُ مِنْ يَوْمِهِ فَمَاتَ أَيْضًا، وَقِيلَ: لَمْ يَمُتْ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ أَوْصَى أَنْ يُصَلِّيَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ بِالنَّاسِ حَتَّى يَقُومَ لَهُمْ خَلِيفَةٌ، وَقِيلَ لِمُعَاوِيَةَ: لَوِ اسْتَخْلَفْتَ؟ فَقَالَ: لَا أَتَزَوَّدُ مَرَارَتَهَا وَأَتْرُكُ لِبَنِي أُمَيَّةَ حَلَاوَتَهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>