للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ رَأْيِ مَرْوَانَ أَنْ يَسِيرَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فَيُبَايِعَهُ بِالْخِلَافَةِ، فَقَدِمَ ابْنُ زِيَادٍ مِنَ الْعِرَاقِ، وَبَلَغَهُ مَا يُرِيدُ مَرْوَانُ أَنْ يَفْعَلَ، فَقَالَ لَهُ: قَدِ اسْتَحْيَيْتُ لَكَ مِنْ ذَلِكَ، أَنْتَ كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيِّدُهَا تَمْضِي إِلَى أَبِي خُبَيْبٍ فَتُبَايِعُهُ، يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيْرِ، لِأَنَّهُ كَانَ يُكْنَى بِابْنِهِ خُبَيْبٍ! فَقَالَ: مَا فَاتَ شَيْءٌ بَعْدُ، فَقَامَ مَعَهُ بَنُو أُمَيَّةَ وَمَوَالِيهِمْ وَتَجَمَّعَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْيَمَنِ فَسَارَ إِلَى دِمَشْقَ وَهُوَ يَقُولُ: مَا فَاتَ شَيْءٌ بَعْدُ، فَقَدِمَ دِمَشْقَ وَالضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ قَدْ بَايَعَهُ أَهْلُهَا عَلَى أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ وَيُقِيمَ لَهُ أَمْرَهُمْ حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ، وَهُوَ يَدْعُو إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ سِرًّا.

وَكَانَ زُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ الْكِلَابِيُّ بِقَنْسَرِينَ يُبَايِعُ لِابْنِ الزُّبَيْرِ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ بِحِمْصَ يُبَايِعُ لَهُ أَيْضًا، وَكَانَ حَسَّانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ بِحَدْلٍ الْكَلْبِيُّ بِفِلَسْطِينَ عَامِلًا لِمُعَاوِيَةَ وَلِابْنِهِ يَزِيدَ وَهُوَ يُرِيدُ بَنِي أُمَيَّةَ، فَسَارَ إِلَى الْأُرْدُنِّ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى فِلَسْطِينَ رَوْحَ بْنَ زِنْبَاعٍ الْجُذَامِيَّ، فَثَارَ نَاتِلُ بْنُ قَيْسٍ بِرَوْحٍ فَأَخْرَجَهُ مِنْ فِلَسْطِينَ وَبَايَعَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ.

وَكَانَ حَسَّانُ فِي الْأُرْدُنِّ يَدْعُو إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ، فَقَالَ لِأَهْلِ الْأُرْدُنِّ: مَا شَهَادَتُكُمْ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ وَقَتْلَى الْحَرَّةِ؟ قَالَ: نَشْهَدُ أَنَّهُ مُنَافِقٌ وَأَنَّ قَتْلَى الْحَرَّةِ فِي النَّارِ.

قَالَ: فَمَا شَهَادَتُكُمْ عَلَى يَزِيدَ وَقَتْلَاكُمْ بِالْحَرَّةِ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ وَأَنَّ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ.

قَالَ: فَأَنَا أَشْهَدُ لَئِنْ كَانَ يَزِيدُ وَشِيعَتُهُ عَلَى حَقٍّ إِنَّهُمُ الْيَوْمَ عَلَى حَقٍّ، وَلَئِنْ كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَشِيعَتُهُ عَلَى بَاطِلٍ إِنَّهُمُ الْيَوْمَ عَلَيْهِ.

قَالُوا لَهُ: صَدَقْتَ، نَحْنُ نُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ نُقَاتِلَ مَنْ خَالَفَكَ وَأَطَاعَ ابْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى أَنْ تُجَنِّبَنَا هَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ، يَعْنُونَ ابْنَيْ يَزِيدَ عَبْدَ اللَّهِ وَخَالِدًا، فَإِنَّا نَكْرَهُ أَنْ يَأْتِيَنَا النَّاسُ بِشَيْخٍ وَنَأْتِيَهُمْ بِصَبِيٍّ.

وَكَتَبَ حِسَانُ إِلَى الضَّحَّاكِ كِتَابًا يُعَظِّمُ فِيهِ حَقَّ بَنِيَ أُمَيَّةَ وَحُسْنَ بَلَائِهِمْ عِنْدَهُ وَيَذُمُّ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَأَنَّهُ خَلَعَ خَلِيفَتَيْنِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَ كِتَابَهُ عَلَى النَّاسِ، وَكَتَبَ كِتَابًا آخَرَ وَسَلَّمَهُ إِلَى الرَّسُولِ، وَاسْمُهُ بَاغِضَةُ، وَقَالَ لَهُ: إِنْ قَرَأَ كِتَابِي عَلَى النَّاسِ وَإِلَّا فَاقْرَأْ هَذَا الْكِتَابَ عَلَيْهِمْ.

وَكَتَبَ حَسَّانُ إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَحْضُرُوا ذَلِكَ، فَقَدَمَ بَاغِضَةُ فَدَفَعَ كِتَابَ الضَّحَّاكِ إِلَيْهِ وَكِتَابَ بَنِي أُمَيَّةَ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا كَانَتِ الْجُمُعَةُ صَعِدَ الضَّحَّاكُ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ لَهُ بَاغِضَةُ لِيُقْرَأْ كِتَابُ حَسَّانَ عَلَى النَّاسِ.

فَقَالَ لَهُ الضَّحَّاكُ: اجْلِسْ، فَقَامَ

<<  <  ج: ص:  >  >>