للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَيْهِمْ، فَانْهَزَمَتِ التُّرْكُ وَاتَّبَعُوهُمْ حَتَّى مَضَى عَامَّةُ اللَّيْلِ، فَرَجَعَ زُهَيْرٌ وَقَدْ يَبَسَتْ يَدُهُ عَلَى رُمْحِهِ مِنَ الْبَرْدِ، فَجَعَلُوا يُسَخِّنُونَ الشَّحْمَ فَيَضَعُهُ عَلَى يَدِهِ وَدَهَنُوهُ وَأَوْقَدُوا لَهُ نَارًا فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى هَرَاةَ، (فَقَالَ فِي ذَلِكَ ثَابِتُ قُطْنَةَ:

فَدَتْ نَفْسِي فَوَارِسَ مِنْ تَمِيمٍ ... عَلَى مَا كَانَ مِنْ ضَنْكِ الْمُقَامِ

بِقَصْرِ الْبَاهِلِيِّ وَقَدْ أَرَانِي ... أُحَامِي حِينَ قَلَّ بِهِ الْمُحَامِي

بِسَيْفِي بَعْدَ كَسْرِ الرُّمْحِ فِيهِمْ ... أَذُودُهُمُ بِذِي شَطَبٍ حُسَامِ

أَكُرُّ عَلَيْهِمُ الْيَحْمُومَ كَرَّا ... كَكَرِّ الشُّرْبِ آنِيَةَ الْمُدَامِ

فَلَوْلَا اللَّهُ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ ... وَضَرْبِي قَوْنَسَ الْمَلِكِ الْهُمَامِ

إِذَا فَاظَتْ نِسَاءُ بَنِي دِثَارٍ ... أَمَامَ التُّرْكِ بَادِيَةَ الْخِدَامِ

)

ذِكْرُ أُمِّ التَّوَّابِينَ

قِيلَ: لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ وَرَجَعَ ابْنُ زِيَادٍ مِنْ مُعَسْكَرِهِ بِالنُّخَيْلَةِ وَدَخَلَ الْكُوفَةَ تَلَاقَتِ الشِّيعَةُ بِالتَّلَاوُمِ وَالتَّنَدُّمِ، وَرَأَتْ أَنْ قَدْ أَخْطَأَتْ خَطَأً كَبِيرًا بِدُعَائِهِمُ الْحُسَيْنَ وَتَرْكِهِمْ نُصْرَتَهُ وَإِجَابَتَهُ حَتَّى قُتِلَ إِلَى جَانِبِهِمْ، وَرَأَوْا أَنَّهُ لَا يَغْسِلُ عَارَهُمْ وَالْإِثْمَ عَلَيْهِمْ إِلَّا قَتْلُ مَنْ قَتَلَهُ أَوِ الْقَتْلُ فِيهِمْ، فَاجْتَمَعُوا بِالْكُوفَةِ إِلَى خَمْسَةِ نَفَرٍ مِنْ رُؤَسَاءِ الشِّيعَةِ: إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ الْخُزَاعِيِّ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ وَإِلَى الْمُسَيَّبِ بْنِ نَجَبَةَ الْفَزَارِيِّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ، وَإِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ نُفَيْلٍ الْأَزْدِيِّ، وَإِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَالٍ التَّيْمِيِّ، تَيْمِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، وَإِلَى رِفَاعَةَ بْنِ شَدَّادٍ الْبَجَلِيِّ، وَكَانُوا مِنْ خِيَارِ أَصْحَابِ عَلِيٍّ، فَاجْتَمَعُوا فِي مَنْزِلِ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ الْخُزَاعِيِّ، فَبَدْأَهُمُ الْمُسَيَّبُ بْنُ نَجَبَةَ فَقَالَ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ:

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّا ابْتُلِينَا بِطُولِ الْعُمُرِ وَالتَّعَرُّضِ لِأَنْوَاعِ الْفِتَنِ، فَنَرْغَبُ إِلَى رَبِّنَا أَنْ لَا يَجْعَلَنَا مِمَّنْ يَقُولُ لَهُ غَدًا: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} [فاطر: ٣٧] ، فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>