للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا يَجُوزُ قَبُولُ شَهَادَتِهِمْ وَأَخْذُ عِلْمِ الدِّينِ عَنْهُمْ، وَلَا يَحِلُّ مِيرَاثُهُمْ، وَرَأَى قَتْلَ الْأَطْفَالِ وَالِاسْتِعْرَاضَ، وَأَنَّ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ كُفَّارٌ مِثْلُ كُفَّارِ الْعَرَبِ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إِلَّا الْإِسْلَامُ أَوِ الْقَتْلُ.

فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ بَعْضُهُمْ وَفَارَقَهُ بَعْضُهُمْ، وَمِمَّنْ فَارَقَهُ نَجْدَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَسَارَ إِلَى الْيَمَامَةِ، فَأَطَاعَهُ الْخَوَارِجُ الَّذِينَ بِهَا وَتَرَكُوا أَبَا طَالُوتَ، فَكَتَبَ نَافِعٌ إِلَى ابْنِ إِبَاضٍ وَابْنِ الصَّفَّارِ يَدْعُوهُمَا وَمَنْ مَعَهُمَا إِلَى ذَلِكَ، فَقَرَأَ ابْنُ الصَّفَّارِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَقْرَأْهُ عَلَى أَصْحَابِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَتَفَرَّقُوا وَيَخْتَلِفُوا، فَأَخَذَهُ ابْنُ إِبَاضٍ فَقَرَأَهُ، فَقَالَ: قَاتَلَهُ اللَّهُ أَيَّ رَأْيٍ رَأَى! صَدَقَ نَافِعٌ، لَوْ كَانَ الْقَوْمُ مُشْرِكِينَ كَانَ أَصْوَبَ النَّاسِ رَأْيًا وَكَانَتْ سِيرَتُهُ كَسِيرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنَّهُ قَدْ كَذَبَ فِيمَا يَقُولُ، إِنَّ الْقَوْمَ بُرَآءُ مِنَ الشِّرْكِ وَلَكِنَّهُمْ كُفَّارٌ بِالنِّعَمِ وَالْأَحْكَامِ وَلَا يَحِلُّ لَنَا إِلَّا دِمَاؤُهُمْ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْنَا.

فَقَالَ لَهُ ابْنُ الصَّفَّارِ: بَرِئَ اللَّهُ مِنْكَ فَقَدْ قَصَّرْتَ، وَبَرِئَ اللَّهُ مِنِ ابْنِ الْأَزْرَقِ فَقَدْ غَلَا.

فَقَالَ الْآخَرُ: بَرِئَ اللَّهُ مِنْكَ وَمِنْهُ.

فَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ وَاشْتَدَّتْ شَوْكَةُ ابْنِ الْأَزْرَقِ وَكَثُرَتْ جُمُوعُهُ وَأَقَامَ بِالْأَهْوَازِ يَجْبِي الْخَرَاجَ وَيَتَقَوَّى بِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ نَحْوَ الْبَصْرَةِ حَتَّى دَنَا مِنَ الْجِسْرِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ مُسْلِمَ بْنَ عُبَيْسِ بْنِ كُرَيْزِ بْنِ رَبِيعَةَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ.

(عُبَيْسٌ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ الْمَضْمُومَةِ، وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَالْيَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ، وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ. وَعُبَيْدَةُ بْنُ بِلَالٍ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ) .

ذِكْرُ قُدُومِ الْمُخْتَارِ الْكُوفَةَ

كَانَتِ الشِّيعَةُ تَسُبُّ الْمُخْتَارَ وَتَعِيبُهُ لِمَا كَانَ مِنْهُ فِي أَمْرِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ طُعِنَ فِي سَابَاطَ وَحُمِلَ إِلَى أَبْيَضِ الْمَدَائِنِ، حَتَّى [إِذَا] كَانَ زَمَنُ الْحُسَيْنِ، بَعَثَ الْحُسَيْنُ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ إِلَى الْكُوفَةِ، وَكَانَ الْمُخْتَارُ فِي قَرْيَةٍ لَهُ تُدْعَى لَفَغَا، فَجَاءَهُ خَبَرُ ابْنِ عَقِيلٍ عِنْدَ الظُّهْرِ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ، وَلَمْ يَكُنْ خُرُوجُهُ عَنْ مِيعَادٍ كَمَا سَبَقَ، فَأَقْبَلَ الْمُخْتَارُ فِي مَوَالِيهِ فَانْتَهَى إِلَى بَابِ الْفِيلِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَقَدْ أَقْعَدَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ بِالْمَسْجِدِ وَمَعَهُ رَايَةٌ، فَوَقَفَ الْمُخْتَارُ لَا يَدْرِي مَا يَصْنَعُ، فَبَلَغَ خَبَرُهُ عَمْرًا فَاسْتَدْعَاهُ وَآمَنَهُ، فَحَضَرَ عِنْدَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>