للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

زِيَادٍ مِنَ الشَّامِ فِي جُنُودٍ.

فَلَمْ يُقِمْ سُلَيْمَانُ، فَسَارَ عَشِيَّةَ الْجُمُعَةِ لِخَمْسٍ مَضَيْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ، فَوَصَلَ دَارَ الْأَهْوَازِ وَقَدْ تَخَلَّفَ عَنْهُ نَاسٌ كَثِيرٌ، (فَقَالَ: مَا أُحِبُّ أَنَّ مَنْ تَخَلَّفَ [عَنْكُمْ] مَعَكُمْ، {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} [التوبة: ٤٧] ، إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ، وَاخْتَصَّكُمْ بِفَضْلِ ذَلِكَ) .

ثُمَّ سَارُوا فَانْتَهَوْا إِلَى قَبْرِ الْحُسَيْنِ، فَلَمَّا وَصَلُوا صَاحُوا صَيْحَةً وَاحِدَةً، فَمَا رُئِيَ أَكْثَرَ بَاكِيًا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَتَرَحَّمُوا عَلَيْهِ وَتَابُوا عِنْدَهُ مِنْ خِذْلَانِهِ، وَتَرْكِ الْقِتَالِ مَعَهُ وَأَقَامُوا عِنْدَهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً يَبْكُونَ وَيَتَضَرَّعُونَ وَيَتَرَحَّمُونَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ، (وَكَانَ مِنْ قَوْلِهِمْ عِنْدَ ضَرِيحِهِ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ حُسَيْنًا الشَّهِيدَ ابْنَ الشَّهِيدِ، الْمَهْدِيَّ ابْنَ الْمَهْدِيِّ، الصِّدِّيقَ ابْنَ الصِّدِّيقِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نُشْهِدُكَ أَنَّا عَلَى دِينِهِمْ وَسَبِيلِهِمْ وَأَعْدَاءُ قَاتِلِيهِمْ وَأَوْلِيَاءُ مُحِبِّيهِمُ، اللَّهُمَّ إِنَّا خَذَلْنَا ابْنَ بِنْتِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاغْفِرْ لَنَا مَا مَضَى مِنَّا وَتُبْ عَلَيْنَا وَارْحَمْ حُسَيْنًا وَأَصْحَابَهُ الشُّهَدَاءَ الصِّدِّيقِينَ، وَإِنَّا نُشْهِدُكَ أَنَّا عَلَى دِينِهِمْ وَعَلَى مَا قُتِلُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ! وَزَادَهُمُ النَّظَرُ إِلَيْهِ حَنَقًا) .

ثُمَّ سَارُوا بَعْدَ أَنْ كَانَ الرَّجُلُ يَعُودُ إِلَى ضَرِيحِهِ كَالْمُوَدِّعِ لَهُ، فَازْدَحَمَ النَّاسُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنِ ازْدِحَامِهِمْ عَلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، ثُمَّ أَخَذُوا عَلَى الْأَنْبَارِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ كِتَابًا، مِنْهُ: يَا قَوْمَنَا لَا تُطِيعُوا عَدُوَّكُمْ، أَنْتُمْ فِي أَهْلِ بِلَادِكُمْ خِيَارٌ كُلُّكُمْ، وَمَتَى يُصِبْكُمْ عَدُوُّكُمْ يَعْلَمُوا أَنَّكُمْ أَعْلَامُ مِصْرِكُمْ، فَيُطْمِعُهُمْ ذَلِكَ فِيمَنْ وَرَاءَكُمْ، يَا قَوْمَنَا {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} [الكهف: ٢٠] ، يَا قَوْمِ إِنَّ أَيْدِيَنَا وَأَيْدِيَكُمْ وَاحِدَةٌ وَعَدُوَّنَا وَعَدُوَّكُمْ وَاحِدٌ وَمَتَى تَجْتَمِعُ كَلِمَتُنَا عَلَى عَدُوِّنَا نَظْهَرُ عَلَى عَدُوِّنَا وَمَتَى تَخْتَلِفُ تَهُنْ شَوْكَتُنَا عَلَى مَنْ خَالَفْنَا، يَا قَوْمَنَا لَا تَسْتَغِشُّوا نُصْحِيَ، وَلَا تُخَالِفُوا أَمْرِي وَأَقْبِلُوا حِينَ يُقْرَأُ كِتَابِي عَلَيْكُمْ. وَالسَّلَامُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>