للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ظُهُورِكُمْ وَيَكُونُ الرُّسْتَاقُ وَالْمَاءُ وَالْمَادَّةُ فِي أَيْدِيكُمْ، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فَأَنْتُمْ آمِنُونَ مِنْهُ، فَاطْوُوا الْمَنَازِلَ، فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ جَمَاعَةً قَطُّ أَكْرَمَ مِنْكُمْ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ تَسْبِقُوهُمْ، وَإِنْ قَاتَلْتُمُوهُمْ فَلَا تُقَاتِلُوهُمْ فِي فَضَاءٍ تُرَامُونَهُمْ وَتُطَاعِنُونَهُمْ فَإِنَّهُمْ أَكْثَرُ مِنْكُمْ، وَلَا آمَنُ أَنْ يُحِيطُوا بِكُمْ، فَلَا تَقِفُوا لَهُمْ فَيَصْرَعُوكُمْ، وَلَا تَصِفُّوا لَهُمْ، فَإِنِّي لَا أَرَى مَعَكُمْ رَجَّالَةً وَمَعَهُمُ الرَّجَّالَةُ وَالْفُرْسَانُ بَعْضُهُمْ يَحْمِي بَعْضًا، وَلَكِنِ الْقُوهُمْ فِي الْكَتَائِبِ وَالْمَقَانِبِ ثُمَّ بُثُّوهَا فِيمَا بَيْنَ مَيَمَنَتِهِمْ وَمَيْسَرَتِهِمْ وَاجْعَلُوا مَعَ كُلِّ كَتِيبَةٍ أُخْرَى إِلَى جَانِبِهَا، فَإِنْ حُمِلَ عَلَى إِحْدَى الْكَتِيبَتَيْنِ رَحَلَتِ الْأُخْرَى فَنَفَّسَتْ عَنْهَا، وَمَتَى شَاءَتْ كَتِيبَةٌ ارْتَفَعَتْ، وَمَتَى شَاءَتْ كَتِيبَةٌ انْحَطَّتْ، وَلَوْ كُنْتُمْ صَفًّا وَاحِدًا فَزَحَفَتْ إِلَيْكُمُ الرَّجَّالَةُ فَدَفَعْتُمْ عَنِ الصَّفِّ انْتَقَضَ فَكَانَتِ الْهَزِيمَةُ.

ثُمَّ وَدَّعَهُمْ وَدَعَا لَهُمْ وَدَعَوْا لَهُ وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ.

ثُمَّ سَارُوا مُجِدِّينَ فَانْتَهَوْا إِلَى عَيْنِ الْوَرْدَةِ فَنَزَلُوا غَرْبَيَّهَا وَأَقَامُوا خَمْسًا فَاسْتَرَاحُوا وَأَرَاحُوا.

وَأَقْبَلَ أَهْلُ الشَّامِ فِي عَسَاكِرِهِمْ حَتَّى كَانُوا مِنْ عَيْنِ الْوَرْدَةِ عَلَى مَسِيرَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَقَامَ سُلَيْمَانُ فِي أَصْحَابِهِ وَذَكَرَ الْآخِرَةَ وَرَغَّبَ فِيهَا ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ أَتَاكُمْ عَدُوُّكُمُ الَّذِي دَأَبْتُمْ إِلَيْهِ فِي السَّيْرِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْدُقُوهُمُ الْقِتَالَ وَاصْبِرُوا، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ، وَلَا يُوَلِّيَنَّهُمُ امْرُؤٌ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ، وَلَا تَقْتُلُوا مُدْبِرًا، وَلَا تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ، وَلَا تَقْتُلُوا أَسِيرًا مِنْ أَهْلِ دَعْوَتِكُمْ إِلَّا أَنْ يُقَاتِلَكُمْ بَعْدَ أَنْ تَأْسِرُوهُ، فَإِنَّ هَذِهِ كَانَتْ سِيرَةُ عَلِيٍّ فِي أَهْلِ هَذِهِ الدَّعْوَةِ.

ثُمَّ قَالَ: إِنْ أَنَا قُتِلْتُ فَأَمِيرُ النَّاسِ مُسَيَّبُ بْنُ نَجَبَةَ، فَإِنْ قُتِلَ فَالْأَمِيرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ نُفَيْلٍ، فَإِنْ قُتِلَ فَالْأَمِيرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَالٍ، فَإِنْ قُتِلَ فَالْأَمِيرُ رِفَاعَةُ بْنُ شَدَّادٍ، رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَدَقَ مَا عَاهَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ.

ثُمَّ بَعَثَ الْمُسَيَّبَ فِي أَرْبَعِمِائَةِ فَارِسٍ ثُمَّ قَالَ: سِرْ حَتَّى تَلْقَى أَوَّلَ عَسَاكِرِهِمْ فَشُنَّ عَلَيْهِمُ [الْغَارَةَ] ، فَإِنْ رَأَيْتَ مَا تُحِبُّهُ وَإِلَّا رَجَعْتَ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَنْزِلَ [أَوْ تَدَعَ] أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَنْزِلُ أَوْ يَسْتَقْبِلُ آخِرَ ذَلِكَ، حَتَّى لَا تَجِدَ مِنْهُ بُدًّا.

فَسَارَ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ ثُمَّ نَزَلَ السَّحَرَ. فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَرْسَلَ أَصْحَابَهُ فِي الْجِهَاتِ لِيَأْتُوهُ بِمَنْ يَلْقَوْنَ، فَأَتَوْهُ بِأَعْرَابِيٍّ، فَسَأَلَهُ عَنْ أَدْنَى الْعَسَاكِرِ مِنْهُ، فَقَالَ: أَدْنَى عَسْكَرٍ مِنْ عَسَاكِرِهِمْ مِنْكَ عَسْكَرُ شُرَحْبِيلَ بْنِ ذِي الْكَلَاعِ، وَهُوَ مِنْكَ عَلَى رَأْسِ مِيلٍ، وَقَدِ اخْتَلَفَ هُوَ وَالْحُصَيْنُ، ادَّعَى الْحُصَيْنُ أَنَّهُ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَأَبَى شُرَحْبِيلُ ذَلِكَ، وَهُمَا يَنْتَظِرَانِ أَمْرَ ابْنِ زِيَادٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>