للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَلَمَّا قُتِلَ سُلَيْمَانُ أَخَذَ الرَّايَةَ الْمُسَيَّبُ بْنُ نَجَبَةَ وَتَرَحَّمَ عَلَى سُلَيْمَانَ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَقَاتَلَ بِهَا سَاعَةً ثُمَّ رَجَعَ ثُمَّ حَمَلَ، فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا، ثُمَّ قُتِلَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، بَعْدَ أَنْ قَتَلَ رِجَالًا.

فَلَمَّا قُتِلَ أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ نُفَيْلٍ وَتَرَحَّمَ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ قَرَأَ: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: ٢٣] . وَحَفَّ بِهِ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْأَزْدِ. فَبَيْنَمَا هُمْ فِي الْقِتَالِ أَتَاهُمْ فُرْسَانٌ ثَلَاثَةٌ مِنْ سَعْدِ بْنِ حُذَيْفَةَ يُخْبِرُونَ بِمَسِيرِهِمْ فِي سَبْعِينَ وَمِائَةٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدَائِنِ وَيُخْبِرُونَ أَيْضًا بِمَسِيرِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مَعَ الْمُثَنَّى بْنِ مُخَرِّبَةَ الْعَبْدِيِّ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ، (فَسُرَّ النَّاسُ) فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ: ذَلِكَ لَوْ جَاءُونَا وَنَحْنُ أَحْيَاءٌ.

فَلَمَّا نَظَرَ الرُّسُلُ إِلَى مُصَارِعِ إِخْوَانِهِمْ سَاءَهُمْ ذَلِكَ وَاسْتَرْجَعُوا وَقَاتَلُوا مَعَهُمْ، وَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ نُفَيْلٍ، قَتَلَهُ ابْنُ أَخِي رَبِيعَةَ بْنِ مُخَارِقٍ، وَحَمَلَ خَالِدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ نُفَيْلٍ عَلَى قَاتِلِ أَخِيهِ فَطَعَنَهُ بِالسَّيْفِ، وَاعْتَنَقَهُ الْآخَرُ فَحَمَلَ أَصْحَابُهُ عَلَيْهِ فَخَلَّصُوهُ بِكَثْرَتِهِمْ وَقَتَلُوا خَالِدًا، وَبَقِيَتِ الرَّايَةُ لَيْسَ عِنْدَهَا أَحَدٌ، فَنَادَوْا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ وَالٍ فَإِذَا هُوَ قَدِ اصْطَلَى الْحَرْبَ فِي عِصَابَةٍ مَعَهُ، فَحَمَلَ رِفَاعَةُ بْنُ شَدَّادٍ فَكَشَفَ أَهْلَ الشَّامِ عَنْهُ، فَأَتَى فَأَخَذَ الرَّايَةَ وَقَاتَلَ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَنْ أَرَادَ الْحَيَاةَ الَّتِي لَيْسَ بَعْدَهَا مَوْتٌ (وَالرَّاحَةَ الَّتِي لَيْسَ بَعْدَهَا نَصَبٌ، وَالسُّرُورَ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ حُزْنٌ) ، فَلْيَتَقَرَّبْ إِلَى اللَّهِ بِقِتَالِ هَؤُلَاءِ الْمُحِلِّينَ، وَالرَّوَاحِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَذَلِكَ عِنْدَ الْعَصْرِ، فَحَمَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَقَتَلُوا رِجَالًا وَكَشَفُوهُمْ.

ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ الشَّامِ تَعَطَّفُوا عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَتَّى رَدُّوهُمْ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانُوا فِيهِ، وَكَانَ مَكَانُهُمْ لَا يُؤْتَى إِلَّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، فَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ تَوَلَّى قِتَالَهُمْ أَدْهَمُ بْنُ مُحْرِزٍ الْبَاهِلِيُّ فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ فِي خَيْلِهِ وَرَجْلِهِ، فَوَصَلَ ابْنُ مُحْرِزٍ إِلَى ابْنِ وَالٍ وَهُوَ يَتْلُو: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} [آل عمران: ١٦٩] الْآيَةَ، فَغَاظَ ذَلِكَ أَدْهَمَ بْنَ مُحْرِزٍ فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَضَرَبَ يَدَهُ فَأَبَانَهَا ثُمَّ تَنَحَّى عَنْهُ وَقَالَ: إِنِّي أَظُنُّكَ وَدِدْتَ أَنَّكَ عِنْدَ أَهْلِكَ.

قَالَ ابْنُ وَالٍ: بِئْسَ مَا ظَنَنْتَ، وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ يَدُكَّ مَكَانَهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِي مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ مَا فِي يَدِي لِيَعْظُمَ وِزْرُكَ وَيَعْظُمَ أَجْرِي.

فَغَاظَهُ ذَلِكَ أَيْضًا، فَحَمَلَ عَلَيْهِ وَطَعَنَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>