للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْعُذْرِيُّ، فَلَمْ يَسِرِ الْمُنْهَزِمُونَ غَيْرَ سَاعَةٍ حَتَّى لَقِيَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَمَلَةَ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ فَرَدَّ مَعَهُ الْمُنْهَزِمِينَ.

وَنَزَلَ يَزِيدُ بِبَاتِلَى، فَبَاتُوا لَيْلَتَهُمْ يَتَحَارَسُونَ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا يَوْمَ الْأَضْحَى خَرَجُوا إِلَى الْقِتَالِ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، ثُمَّ نَزَلُوا فَصَلُّوا الظُّهْرَ، ثُمَّ عَادُوا إِلَى الْقِتَالِ، فَانْهَزَمَ أَهْلُ الشَّامِ وَتُرِكَ ابْنُ جَمَلَةَ فِي جَمَاعَةٍ، فَقَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا، فَحَمَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قُرَادٍ الْخَثْعَمِيُّ فَقَتَلَهُ، وَحَوَى أَهْلُ الْكُوفَةِ عَسْكَرَهُمْ، وَقَتَلُوا فِيهِمْ قَتْلًا ذَرِيعًا، وَأَسَرُوا مِنْهُمْ ثَلَاثَمِائَةِ أَسِيرٍ، وَأَمَرَ يَزِيدُبْنُ أَنَسٍ بِقَتْلِهِمْ، وَهُوَ بِآخِرِ رَمَقٍ، فَقُتِلُوا، ثُمَّ مَاتَ آخِرَ النَّهَارِ، فَدَفَنَهُ أَصْحَابُهُ وَسُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ.

وَكَانَ قَدِ اسْتَخْلَفَ وَرْقَاءَ بْنَ عَازِبٍ الْأَسَدِيَّ، فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَاذَا تَرَوْنَ؟ إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ زِيَادٍ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ فِي ثَمَانِينَ أَلْفًا، وَإِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مِنْكُمْ، فَأَشِيرُوا عَلَيَّ، فَإِنِّي لَا أَرَى لَنَا بِأَهْلِ الشَّامِ طَاقَةً عَلَى هَذِهِ الْحَالِ، وَقَدْ هَلَكَ يَزِيدُ وَتَفَرَّقَ عَنَّا بَعْضُ مَنْ مَعَنَا، فَلَوِ انْصَرَفْنَا الْيَوْمَ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِنَا لَقَالُوا: إِنَّمَا رَجَعْنَا عَنْهُمْ لِمَوْتِ أَمِيرِنَا، وَلَمْ يَزَالُوا لَنَا هَائِبِينَ، وَإِنْ لَقِينَاهُمُ الْيَوْمَ كُنَّا مُخَاطِرِينَ، فَإِنْ هَزَمُونَا الْيَوْمَ لَمْ تَنْفَعْنَا هَزِيمَتُنَا إِيَّاهُمْ بِالْأَمْسِ. فَقَالُوا: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ. فَانْصَرَفُوا.

فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمُخْتَارَ وَأَهْلَ الْكُوفَةِ، فَأَرْجَفَ النَّاسُ بِالْمُخْتَارِ وَقَالُوا: إِنَّ يَزِيدَ قُتِلَ، وَلَمْ يُصَدِّقُوا أَنَّهُ مَاتَ. فَدَعَا الْمُخْتَارُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْأَشْتَرِ، وَأَمَّرَهُ عَلَى سَبْعَةِ آلَافٍ وَقَالَ لَهُ: سِرْ، فَإِذَا لَقِيتَ جَيْشَ يَزِيدَبْنِ أَنَسٍ فَأَنْتَ الْأَمِيرُ عَلَيْهِمْ، فَارْدُدْهُمْ مَعَكَ حَتَّى تَلْقَى ابْنَ زِيَادٍ وَأَصْحَابَهُ فَتُنَاجِزَهُمْ. فَخَرَجَ إِبْرَاهِيمُ فَعَسْكَرَ بِحَمَّامِ أَعْيَنَ وَسَارَ، فَلَمَّا سَارَ اجْتَمَعَ أَشْرَافُ الْكُوفَةِ عِنْدَ شَبَثِ بْنِ رِبْعِيٍّ وَقَالُوا: وَاللَّهِ إِنَّ الْمُخْتَارَ تَأَمَّرَ عَلَيْنَا بِغَيْرِ رِضًى مِنَّا، وَلَقَدْ أَدْنَى مَوَالِينَا، فَحَمَلَهُمْ عَلَى الدَّوَابِّ وَأَعْطَاهُمْ فَيْئَنَا. وَكَانَ شَبَثٌ شَيْخَهُمْ، وَكَانَ جَاهِلِيًّا إِسْلَامِيًّا، فَقَالَ لَهُمْ شَبَثٌ: دَعُونِي حَتَّى أَلْقَاهُ.

فَذَهَبَ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا أَنْكَرُوهُ إِلَّا ذَكَرَهُ لَهُ، فَأَخَذَ لَا يَذْكُرُ خَصْلَةً إِلَّا قَالَ لَهُ الْمُخْتَارُ: أَنَا أُرْضِيهِمْ فِي هَذِهِ الْخَصْلَةِ، وَآتِي لَهُمْ كُلَّ مَا أَحَبُّوا. وَذَكَرَ لَهُ الْمَوَالِيَ وَمُشَارَكَتَهُمْ فِي الْفَيْءِ، فَقَالَ لَهُ: إِنْ أَنَا تَرَكْتُ مَوَالِيَكُمْ، وَجَعَلْتُ فَيْئَكُمْ لَكُمْ، تُقَاتِلُونَ مَعِي

<<  <  ج: ص:  >  >>