للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَبَعَثَ الْمُخْتَارُ مَالِكَ بْنَ عَمْرٍو النَّهْدِيَّ، وَكَانَ شُجَاعًا، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَرِيكٍ النَّهْدِيَّ فِي أَرْبَعِمِائَةٍ إِلَى أَحْمَرَ بْنِ شُمَيْطٍ، فَانْتَهَوْا إِلَيْهِ وَقَدْ عَلَاهُ الْقَوْمُ وَكَثُرُوهُ، فَاشْتَدَّ قِتَالُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ.

وَأَمَّا ابْنُ الْأَشْتَرِ، فَإِنَّهُ مَضَى إِلَى مُضَرَ فَلَقِيَ شَبَثَ بْنَ رِبْعِيٍّ وَمَنْ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ: وَيْحَكُمُ انْصَرِفُوا، فَمَا أُحِبُّ أَنْ يُصَابَ مِنْ مُضَرَ عَلَى يَدَيَّ. فَأَبَوْا وَقَاتَلُوهُ، فَهَزَمَهُمْ، وَجُرِحَ حَسَّانُ بْنُ فَائِدٍ الْعَبْسِيُّ، فَحُمِلَ إِلَى أَهْلِهِ فَمَاتَ، فَكَانَ مَعَ شَبَثٍ، وَجَاءَتِ الْبِشَارَةُ إِلَى الْمُخْتَارِ بِهَزِيمَةِ مُضَرَ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَحْمَرَ بْنِ شُمَيْطٍ وَابْنِ كَامِلٍ يُبَشِّرُهُمَا، فَاشْتَدَّ أَمْرُهُمَا.

فَاجْتَمَعَ شِبَامٌ، وَقَدْ رَأَّسُوا عَلَيْهِمْ أَبَا الْقَلُوصِ، لِيَأْتُوا أَهْلَ الْيَمَنِ مِنْ وَرَائِهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَوْ جَعَلْتُمْ جِدَّكُمْ عَلَى مُضَرَ وَرَبِيعَةَ لَكَانَ أَصْوَبَ، وَأَبُو الْقَلُوصِ سَاكِتٌ، فَقَالُوا: مَا تَقُولُ؟ فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التوبة: ١٢٣] . فَسَارُوا مَعَهُ نَحْوَ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى جَبَّانَةِ السَّبِيعِ لَقِيَهُمْ عَلَى فَمِ السِّكَّةِ الْأَعْسَرُ الشَّاكِرِيُّ، فَقَتَلُوهُ وَنَادُوا فِي الْجَبَّانَةِ، وَقَدْ دَخَلُوهَا: يَا لِثَارَاتِ الْحُسَيْنِ! فَسَمِعَهَا يَزِيدُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ ذِي مُرَّانَ الْهَمْدَانِيُّ فَقَالَ: يَا لِثَارَاتِ عُثْمَانَ! فَقَالَ لَهُمْ رِفَاعَةُ بْنُ شَدَّادٍ: مَا لَنَا وَلِعُثْمَانَ! لَا أُقَاتِلُ مَعَ قَوْمٍ يَبْغُونَ دَمَ عُثْمَانَ. فَقَالَ لَهُ نَاسٌ مِنْ قَوْمِهِ: جِئْتَ بِنَا وَأَطَعْنَاكَ، حَتَّى إِذَا رَأَيْنَا قَوْمَنَا تَأْخُذُهُمُ السُّيُوفُ قُلْتَ: انْصَرِفُوا وَدَعُوهُمْ! فَعَطَفَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يَقُولُ، شِعْرٌ:

أَنَا ابْنُ شَدَّادٍ عَلَى دِينِ عَلِي ... لَسْتُ لِعُثْمَانَ بْنِ أَرْوَى بِوَلِي

لَأَصْلِيَنَّ الْيَوْمَ فِيمَنْ يَصْطَلِي ... بِحَرِّ نَارِ الْحَرْبِ غَيْرُ مُؤْتَلِ

فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.

وَكَانَ رِفَاعَةُ مَعَ الْمُخْتَارِ، فَلَمَّا رَأَى كَذِبَهُ أَرَادَ قَتْلَهُ غِيلَةً، قَالَ: فَمَنَعَنِي قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنِ ائْتَمَنَهُ رَجُلٌ عَلَى دَمِهِ فَقَتَلَهُ، فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>