للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَكَتَبَ الْمُخْتَارُ بِخَبَرِهِمْ إِلَى ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ يَقُولُ: إِنِّي أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ جَيْشًا لِيُذِلُّوا لَكَ الْأَعْدَاءَ، وَيُحْرِزُوا الْبِلَادَ، فَلَمَّا قَارَبُوا طَيْبَةَ فُعِلَ بِهِمْ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ أَبْعَثَ إِلَى الْمَدِينَةِ جَيْشًا كَثِيفًا، وَتَبْعَثَ إِلَيْهِمْ مِنْ قِبَلِكَ رَجُلًا حَتَّى يَعْلَمُوا أَنِّي فِي طَاعَتِكَ فَافْعَلْ، فَإِنَّكَ سَتَجِدُهُمْ بِحَقِّكُمْ أَعَرَفَ، وَبِكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ أَرْأَفَ مِنْهُمْ بِآلِ الزُّبَيْرِ، وَالسَّلَامُ.

فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ قَرَأْتُ كِتَابَكَ، وَعَرَفْتُ تَعْظِيمَكَ لِحَقِّي وَمَا تَنْوِيهِ مِنْ سُرُورِي، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأُمُورِ كُلِّهَا إِلَيَّ مَا أُطِيعَ اللَّهُ فِيهِ، فَأَطِعِ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتَ، وَإِنِّي لَوْ أَرَدْتُ الْقِتَالَ لَوَجَدْتُ النَّاسَ إِلَيَّ سِرَاعًا، وَالْأَعْوَانَ لِي كَثِيرًا، وَلَكِنْ أَعْتَزِلُكُمْ وَأَصْبِرُ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ، وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ. وَأَمَرَهُ بِالْكَفِّ عَنِ الدِّمَاءِ.

ذِكْرُ حَالِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَمَسِيرِ الْجَيْشِ مِنَ الْكُوفَةِ

ثُمَّ إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ دَعَا مُحَمَّدَ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ (وَشِيعَتِهِ) وَسَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ وُجُوهِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، مِنْهُمْ أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ، لَهُ صُحْبَةٌ - لِيُبَايِعُوهُ، فَامْتَنَعُوا وَقَالُوا: لَا نُبَايِعُ حَتَّى تَجْتَمِعَ الْأُمَّةُ. فَأَكْثَرَ الْوَقِيعَةَ فِي ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَذَمَّهُ، فَأَغْلَظَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَانِئٍ الْكِنْدِيُّ وَقَالَ: لَئِنْ لَمْ يَضُرَّكَ إِلَّا تَرْكُنَا بَيْعَتَكَ لَا يَضُرُّكَ شَيْءٌ، وَإِنَّ صَاحِبَنَا يَقُولُ: لَوْ بَايَعَتْنِي الْأُمَّةُ كُلُّهَا غَيْرَ سَعْدٍ مَوْلَى مُعَاوِيَةَ مَا قَبِلْتُهُ. وَإِنَّمَا عَرَّضَ بِذِكْرِ سَعْدٍ لِأَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَتَلَهُ، فَسَبَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَسَبَّ أَصْحَابَهُ وَأَخْرَجَهُمْ مِنْ عِنْدِهِ، فَأَخْبَرُوا ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ بِمَا كَانَ مِنْهُمْ، فَأَمَرَهُمْ بِالصَّبْرِ، وَلَمْ يُلِحَّ عَلَيْهِمُ ابْنُ الزُّبَيْرِ.

(فَلَمَّا اسْتَوْلَى الْمُخْتَارُ عَلَى الْكُوفَةِ، وَصَارَتِ الشِّيعَةُ تَدْعُو لِابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، خَافَ ابْنُ الزُّبَيْرِ) أَنْ يَتَدَاعَى النَّاسُ إِلَى الرِّضَا بِهِ، فَأَلَحَّ عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ فِي الْبَيْعَةِ لَهُ، فَحَبَسَهُمْ بِزَمْزَمَ وَتَوَعَّدَهُمْ بِالْقَتْلِ وَالْإِحْرَاقِ وَإِعْطَاءِ اللَّهِ عَهْدًا إِنْ لَمْ يُبَايِعُوا أَنْ يُنَفِّذَ فِيهِمْ مَا تَوَعَّدَهُمْ بِهِ، وَضَرَبَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ أَجَلًا.

فَأَشَارَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَى الْمُخْتَارِ يُعْلِمُهُ حَالَهُمْ، فَكَتَبَ إِلَى الْمُخْتَارِ بِذَلِكَ وَطَلَبَ مِنْهُ النَّجْدَةَ. فَقَرَأَ الْمُخْتَارُ الْكِتَابَ عَلَى النَّاسِ وَقَالَ: إِنَّ هَذَا مَهْدِيُّكُمْ وَصَرِيحُ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ، (وَقَدْ تَرَكُوا مَحْظُورًا عَلَيْهِمْ كَمَا يُحْظَرُ) عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>