للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِهِ وَأَرَدْتُ قَتْلَهُ وَظَفِرَ بِي فَكَفَّ عَنِّي. وَأَذْكَى عَلَيْهِ الْعُيُونَ فَلَمْ يَظْفَرُوا بِهِ.

وَرَكِبَ طَالُوتُ يَوْمًا فَرَأَى دَاوُدَ فَرَكَضَ فِي أَثَرِهِ، فَهَرَبَ دَاوُدُ مِنْهُ وَاخْتَفَى فِي غَارٍ فِي الْجَبَلِ، فَعَمَّى اللَّهُ أَثَرَهُ عَلَى طَالُوتَ.

ثُمَّ إِنَّ طَالُوتَ قَتَلَ الْعُلَمَاءَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَةٌ كَانَتْ تَعْرِفُ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ فَسَلَّمَهَا إِلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهَا، فَرَحِمَهَا وَتَرَكَهَا وَأَخْفَى أَمْرَهَا.

ثُمَّ إِنَّ طَالُوتَ نَدِمَ وَأَرَادَ التَّوْبَةَ وَأَقْبَلَ عَلَى الْبُكَاءِ حَتَّى رَحِمَهُ النَّاسُ، فَكَانَ كُلَّ لَيْلَةٍ يَخْرُجُ إِلَى الْقُبُورِ فَيَبْكِي وَيَقُولُ: أَنْشُدُ اللَّهَ عَبْدًا عَلِمَ لِي تَوْبَةً إِلَّا أَخْبَرَنِي بِهَا. فَلَمَّا أَكْثَرَ نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ الْقُبُورِ: يَا طَالُوتُ أَمَا رَضِيتَ قَتْلَنَا أَحْيَاءً حَتَّى تُؤْذِيَنَا أَمْوَاتًا! فَازْدَادَ بُكَاءً وَحُزْنًا، فَرَحِمَهُ الرَّجُلُ الَّذِي أَمَرَهُ بِقَتْلِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ فَقَالَ لَهُ: إِنْ دَلَلْتُكَ عَلَى عَالِمٍ لَعَلَّكَ تَقْتُلُهُ! قَالَ: لَا. فَأَخَذَ عَلَيْهِ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ فَقَالَ: سَلْهَا هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَحَضَرَ عِنْدَهَا وَسَأَلَهَا هَلْ لَهُ عِنْدَهَا مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَتْ: مَا أَعْلَمُ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ، وَلَكِنْ هَلْ تَعْلَمُونَ قَبْرَ نَبِيٍّ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَبْرَ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ. فَانْطَلَقَتْ وَهُمْ مَعَهَا فَدَعَتْ، فَخَرَجَ يُوشَعُ، فَلَمَّا رَآهُمْ قَالَ: مَا بَالُكُمْ؟ قَالُوا: جِئْنَا نَسْأَلُكَ هَلْ لِطَالُوتَ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُ لَهُ تَوْبَةً إِلَّا أَنْ يَتَخَلَّى مِنْ مُلْكِهِ وَيَخْرُجَ هُوَ وَوَلَدُهُ فَيُقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى تُقْتَلَ أَوْلَادُهُ، ثُمَّ يُقَاتِلَ هُوَ حَتَّى يُقْتَلَ، فَعَسَى أَنْ يَكُونَ لَهُ تَوْبَةٌ، ثُمَّ سَقَطَ مَيِّتًا. وَرَجَعَ طَالُوتُ أَحْزَنَ مِمَّا كَانَ يَخَافُ أَلَّا يُتَابِعَهُ وَلَدُهُ، فَبَكَى حَتَّى سَقَطَتْ أَشْفَارُ عَيْنَيْهِ وَنَحَلَ جِسْمُهُ، فَسَأَلَهُ بَنُوهُ عَنْ حَالِهِ، فَأَخْبَرَهُمْ، فَتَجَهَّزُوا لِلْغَزْوِ فَقَاتَلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى قُتِلُوا، ثُمَّ قَاتَلَ هُوَ بَعْدَهُمْ حَتَّى قُتِلَ.

وَقِيلَ: إِنَّ النَّبِيَّ الَّذِي بُعِثَ لِطَالُوتَ حَتَّى أَخْبَرَهُ بِتَوْبَتِهِ الْيَسَعُ، وَقِيلَ: أَشْمُوِيلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَكَانَتْ مُدَّةُ مُلْكِ طَالُوتَ إِلَى أَنْ قُتِلَ أَرْبَعِينَ سَنَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>