للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاجْعَلْ لَهُمَا طَعَامًا يُصْلِحُهُمَا.

فَفَعَلَ إِسْحَاقُ ذَلِكَ، وَقَيَّدَ إِيتَاخَ، وَجَعَلَ فِي عُنُقِهِ ثَمَانِينَ رِطْلًا، فَمَاتَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَأَشْهَدَ إِسْحَاقُ جَمَاعَةً مِنَ الْأَعْيَانِ أَنَّهُ لَا ضَرْبَ بِهِ وَلَا أَثَرَ.

وَقِيلَ: كَانَ سَبَبُ مَوْتِهِ أَنَّهُمْ أَطْعَمُوهُ، وَمَنَعُوهُ الْمَاءَ حَتَّى مَاتَ عَطَشًا.

وَأَمَّا وَلَدَاهُ فَإِنَّهُمَا بَقِيَا مَحْبُوسَيْنِ حَيَاةَ الْمُتَوَكِّلِ، فَلَمَّا وَلِيَ الْمُنْتَصِرُ أَخْرَجَهُمَا، فَأَمَّا مُظَفَّرٌ فَبَقَى بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنَ السِّجْنِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَمَاتَ، وَأَمَّا مَنْصُورٌ فَعَاشَ بَعْدَهُ.

ذِكْرُ أَسْرِ ابْنِ الْبُعَيْثِ وَمَوْتِهِ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ قَدِمَ بُغَا الشَّرَابِيُّ بِابْنِ الْبُعَيْثِ فِي شَوَّالَ، وَبِخَلِيفَتِهِ أَبِي الْأَغَرِّ، وَبِأَخَوَيْهِ صَقْرٍ وَخَالِدٍ، وَكَاتَبَهُ الْعَلَاءُ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا قَرَبُوا مِنْ سَامَرَّا حُمِلُوا عَلَى الْجِمَالِ لِيَرَاهُمُ النَّاسُ، فَلَمَّا أُحْضِرَ ابْنُ الْبُعَيْثِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُتَوَكِّلِ أَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ، فَجَاءَ السَّيَّافُ، وَسَبَّهُ الْمُتَوَكِّلُ، وَقَالَ: مَا دَعَاكَ إِلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: الشِّقْوَةُ، وَأَنْتَ الْحَبْلُ الْمَمْدُودُ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، وَإِنَّ لِي فِيكَ لَظَنَّيْنِ أَسْبَقُهُمَا إِلَى قَلْبِي أَوْلَاهُمَا بِكَ، وَهُوَ الْعَفْوُ، ثُمَّ قَالَ بِلَا فَصْلٍ:

أَبَى النَّاسُ إِلَّا أَنَّكَ الْيَوْمَ قَاتِلِي ... إِمَامَ الْهُدَى وَالصَّفْحُ بِالْمَرْءِ أَجْمَلُ

وَهَلْ أَنَا إِلَّا جُبْلَةٌ مِنْ خَطِيئَةٍ ... وَعَفْوُكَ مِنْ نُورِ النُّبُوَّةِ يُجْبَلُ

فَإِنَّكَ خَيْرُ السَّابِقِينَ إِلَى الْعُلَى ... وَلَا شَكَّ أَنَّ خَيْرَ الْفَعَالِينَ تَفْعَلُ

فَقَالَ الْمُتَوَكِّلُ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: إِنَّ عِنْدَهُ لَأَدَبًا، فَقَالَ: بَلْ يَفْعَلُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَيَمُنُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>