للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَاحِقٌ بِالْقَوْمِ عَنْ قَرِيبٍ، وَذَكَرْتُ قَوْلَ مُؤْنِسٍ (فِيهِ إِنَّهُ يَعْرِفُهُ بِالْهَوَجِ، وَالشَّرِّ وَالْإِقْدَامِ، وَالْجَهْلِ) وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا وَكَانَتْ وِزَارَةُ ابْنِ مُقْلَةَ هَذِهِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.

وَاسْتَوْزَرَ الْقَاهِرُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، مُسْتَهَلَّ شَعْبَانَ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَأَنْفَذَ الْقَاهِرُ وَخَتَمَ عَلَى دُورِ مُؤْنِسٍ، وَبُلَيْقٍ وَابْنِهِ عَلِيٍّ، وَابْنِ مُقْلَةَ، وَأَحْمَدَ بْنِ زِيرَكَ، وَالْحَسَنِ بْنِ هَارُونَ، وَنَقَلَ دَوَابَّهُمْ، وَوَكَّلَ بِحُرَمِهِمْ وَأَنْفَذَ فَاسْتَقْدَمَ عِيسَى الْمُتَطَبِّبَ مِنَ الْمَوْصِلِ، وَأَمَرَ بِنَقْلِ مَا فِي دَارِ ابْنِ مُقْلَةَ وَإِحْرَاقِهَا، فَنُهِبَتْ وَأُحْرِقَتْ، وَنُهِبَتْ دُورُ الْمُتَعَلِّقِينَ بِهِمْ، وَظَهَرَ مُحَمَّدُ بْنُ يَاقُوتٍ، وَقَامَ بِالْحَجَبَةِ ثُمَّ رَأَى كَرَاهِيَةَ طَرِيفٍ السُّبْكَرِيِّ وَالسَّاجِيَّةِ لَهُ، فَاخْتَفَى وَهَرَبَ إِلَى أَبِيهِ بِفَارِسَ، فَكَاتَبَهُ الْقَاهِرُ يَلُومُهُ عَلَى عَجَلَتِهِ بِالْهَرَبِ، وَقَلَّدَهُ كُوَرَ الْأَهْوَازِ.

وَكَانَ السَّبَبُ فِي مَيْلِ طَرِيفٍ السُّبْكَرِيِّ، وَالسَّاجِيَّةِ، وَالْحُجَرِيَّةِ إِلَى الْقَاهِرِ، وَمُوَاطَأَتِهِمْ عَلَى مُؤْنِسٍ وَبُلَيْقٍ وَابْنِهِ مَا نَذْكُرُهُ، وَهُوَ أَنَّ طَرِيفًا كَانَ قَدْ أَخَذَ قُوَّادَ مُؤْنِسٍ وَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً، وَكَانَ بُلَيْقٌ وَابْنُهُ مِمَّنْ يُقَبِّلُ يَدَهُ وَيَخْدُمُهُ فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ الْقَاهِرُ بِاللَّهِ تَقَدَّمَ بُلَيْقٌ وَابْنُهُ، وَحَكَمَا فِي الدَّوْلَةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَأَهْمَلَ ابْنُ بُلَيْقٍ جَانِبَ طَرِيفٍ، وَقَصَدَهُ وَعَطَّلَهُ مِنْ أَكْثَرِ أَعْمَالِهِ، فَلَمَّا طَالَتْ عُطْلَتُهُ اسْتَحْيَا مِنْهُ بُلَيْقٌ، وَخَافَ جَانِبَهُ، فَعَزَمَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ عَلَى دِيَارِ مِصْرَ لِيَقْضِيَ حَقَّهُ، وَيُبْعِدَهُ، وَمَعَهُ أَعْيَانُ رُفَقَائِهِ لِيَأْمَنَهُمْ، وَقَالَ ذَلِكَ لِلْوَزِيرِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ مُقْلَةَ، فَرَآهُ صَوَابًا، فَاعْتَذَرَ بُلَيْقٌ إِلَى طَرِيفٍ لِسَبَبِ عَطَلَتِهِ، وَأَعْلَمَهُ بِحَدِيثِ مِصْرَ فَشَكَرَهُ، وَشَكَرَ الْوَزِيرَ أَيْضًا، فَمَنَعَ عَلِيَّ ابْنُ بُلَيْقٍ مِنْ إِتْمَامِهِ، وَتَوَلَّى هُوَ الْعَمَلَ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مَنْ يَخْلُفُهُ فِيهِ، فَصَارَ طَرِيفٌ عَدُوًّا يَتَرَبَّصُ بِهِمُ الدَّوَائِرَ.

وَأَمَّا السَّاجِيَّةُ فَإِنَّهُمْ كَانُوا عُدَّةَ مُؤْنِسٍ وَعَضُدَهُ، وَسَارُوا مَعَهُ إِلَى الْمَوْصِلِ، وَعَادُوا مَعَهُ إِلَى قِتَالِ الْمُقْتَدِرِ، وَوَعَدَهُمْ مُؤْنِسٌ الْمُظَفَّرُ بِالزِّيَادَةِ فَلَمَّا قُتِلَ الْمُقْتَدِرُ لَمْ يَرَوْا لِمِيعَادِهِ وَفَاءً، ثَنَاهُ عَنْهُ ابْنُ بُلَيْقٍ، وَاطَّرَحَهُمُ ابْنُ بُلَيْقٍ أَيْضًا، وَأَعْرَضَ عَنْهُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>