للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي أَيَّامِهِ ظَهَرَ مَزْدَكُ، وَابْتَدَعَ وَوَافَقَ زَرَادِشْتَ فِي بَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ، وَزَادَ وَنَقَصَ، وَزَعَمَ أَنَّهُ يَدْعُو إِلَى شَرِيعَةِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ حَسَبَ مَا دَعَا إِلَيْهِ زَرَادِشْتَ، وَاسْتَحَلَّ الْمَحَارِمَ وَالْمُنْكَرَاتِ، وَسَوَّى بَيْنَ النَّاسِ فِي الْأَمْوَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ ; حَتَّى لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَضْلٌ فِي شَيْءٍ الْبَتَّةَ، فَكَثُرَ أَتْبَاعُهُ مِنَ السِّفْلَةِ وَالْأَغْتَامِ، فَصَارُوا عَشَرَاتِ أُلُوفٍ، فَكَانَ مَزْدَكُ يَأْخُذُ امْرَأَةَ هَذَا فَيُسَلِّمُهَا إِلَى الْآخَرِ، وَكَذَا فِي الْأَمْوَالِ وَالْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ وَغَيْرِهَا مِنَ الضِّيَاعِ وَالْعَقَارِ، فَاسْتَوْلَى وَعَظُمَ شَأْنُهُ وَتَبِعَهُ الْمَلِكُ قُبَاذُ. فَقَالَ يَوْمًا لِقُبَاذَ: الْيَوْمَ نَوْبَتِي مِنَ امْرَأَتِكَ أُمِّ أَنُوشِرْوَانَ. فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، فَقَامَ أَنُوشِرْوَانُ إِلَيْهِ وَنَزَعَ خُفَّيْهِ بِيَدِهِ وَقَبَّلَ رِجْلَيْهِ وَشَفَعَ إِلَيْهِ حَتَّى لَا يَتَعَرَّضَ لِأُمِّهِ، وَلَهُ حُكْمُهُ فِي سَائِرِ مُلْكِهِ، فَتَرَكَهَا.

وَحَرَّمَ ذِبَاحَةَ الْحَيَوَانِ وَقَالَ: يَكْفِي فِي طَعَامِ الْإِنْسَانِ مَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ وَمَا يَتَوَلَّدُ مِنَ الْحَيَوَانِ كَالْبَيْضِ وَاللَّبَنِ وَالسَّمْنِ وَالْجُبْنِ، فَعَظُمَتِ الْبَلِيَّةُ بِهِ عَلَى النَّاسِ فَصَارَ الرَّجُلُ لَا يَعْرِفُ وَلَدَهُ وَالْوَلَدُ لَا يَعْرِفُ أَبَاهُ.

فَلَمَّا مَضَى عَشْرُ سِنِينَ مِنْ مُلْكِ قُبَاذَ، اجْتَمَعَ مُوبَذَانْ مُوبَذْ وَالْعُظَمَاءُ وَخَلَعُوهُ وَمَلَّكُوا عَلَيْهِ أَخَاهُ جَامَسِبْ وَقَالُوا لَهُ: إِنَّكَ قَدْ أَثِمْتَ بِاتِّبَاعِكَ مَزْدَكَ وَبِمَا عَمِلَ أَصْحَابُهُ بِالنَّاسِ، وَلَيْسَ يُنْجِيكَ إِلَّا إِبَاحَةُ نَفْسِكَ وَنِسَائِكَ، وَأَرَادُوهُ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ نَفْسَهُ إِلَيْهِمْ لِيَذْبَحُوهُ وَيُقَرِّبُوهُ إِلَى النَّارِ، فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، فَحَبَسُوهُ وَتَرَكُوهُ لَا يَصِلُ إِلَى أَحَدٍ. فَخَرَجَ زَرْمِهْرُ بْنُ سُوخْرَا، فَقَتَلَ مِنَ الْمَزْدَكِيَّةِ خَلْقًا، وَأَعَادَ قُبَاذَ إِلَى مُلْكِهِ وَأَزَالَ أَخَاهُ جَامَسِبْ. ثُمَّ إِنَّ قُبَاذَ قَتَلَ بَعْدَ ذَلِكَ زَرْمِهْرَ.

وَقِيلَ: لَمَّا حُبِسَ قُبَاذُ وَتَوَلَّى أَخُوهُ دَخَلَتْ أُخْتٌ لِقُبَاذَ عَلَيْهِ كَأَنَّهَا تَزُورُهُ، ثُمَّ لَفَّتْهُ فِي بِسَاطٍ وَحَمَلَهُ غُلَامٌ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ السِّجْنِ سَأَلَهُ السَّجَّانُ عَمَّا مَعَهُ، فَقَالَتْ: هُوَ مُوحِلٌ كُنْتُ أَحِيضُ فِيهِ، فَلَمْ يَمَسَّ الْبِسَاطَ، فَمَضَى الْغُلَامُ بِقُبَاذَ، وَهَرَبَ قُبَاذُ فَلَحِقَ بِمَلِكِ الْهَيَاطِلَةِ يَسْتَجِيشُهُ، فَلَمَّا صَارَ بِإِيرَانَ شَهْرَ، وَهِيَ نَيْسَابُورُ، نَزَلَ بِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِهَا، لَهُ ابْنَةٌ بِكْرٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ فَنَكَحَهَا، وَهِيَ أُمُّ كِسْرَى أَنُوشِرْوَانُ، فَكَانَ نِكَاحُهُ إِيَّاهَا فِي هَذِهِ السَّفْرَةِ لَا فِي تِلْكَ، فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ، وَعَادَ أَنُوشِرْوَانُ فَغَلَبَ أَخَاهُ جَامَسِبْ عَلَى الْمُلْكِ، وَكَانَ مُلْكُ جَامَسِبْ عَلَى سِتِّ سِنِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>