للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلَّهِ تَعَالَى، وَحَلَفَ بُجْكُمُ وَتَصَالَحَا، وَعَادَ إِلَى وَاسِطَ، وَأَخَذَ فِي التَّدْبِيرِ عَلَى ابْنِ رَائِقٍ، وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَى الْحَضْرَةِ بِبَغْدَاذَ.

ذِكْرُ قَطَعِ يَدِ ابْنِ مُقْلَةَ وَلِسَانِهِ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي مُنْتَصَفِ شَوَّالٍ قُطِعَتْ يَدُ الْوَزِيرِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ مُقْلَةَ.

وَكَانَ سَبَبُ قَطْعِهَا أَنَّ الْوَزِيرَ أَبَا الْفَتْحِ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ الْفُرَاتِ لَمَّا عَجَزَ عَنِ الْوِزَارَةِ وَسَارَ إِلَى الشَّامِ، اسْتَوْزَرَ الْخَلِيفَةُ الرَّاضِي بِاللَّهِ أَبَا عَلِيِّ بْنَ مُقْلَةَ، وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، إِنَّمَا الْأَمْرُ جَمِيعُهُ إِلَى ابْنِ رَائِقٍ، وَكَانَ ابْنُ رَائِقٍ قَبَضَ أَمْوَالَ ابْنِ مُقْلَةَ وَأَمْلَاكَهُ، وَأَمْلَاكَ ابْنِهِ، فَخَاطَبَهُ فَلَمْ يَرُدَّهَا، فَاسْتَمَالَ أَصْحَابَهُ، وَسَأَلَهُمْ مُخَاطَبَتَهُ فِي رَدِّهَا، فَوَعَدُوهُ، فَلَمْ يَقْضُوا حَاجَتَهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ، سَعَى بِابْنِ رَائِقٍ، فَكَاتَبَ بُجْكُمَ يُطَمِّعُهُ فِي مَوْضِعِ ابْنِ رَائِقٍ، وَكَتَبَ إِلَى وَشْمَكِيرَ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَهُوَ بِالرَّيِّ، وَكَتَبَ إِلَى الرَّاضِي يُشِيرُ عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ عَلَى ابْنِ رَائِقٍ وَأَصْحَابِهِ، وَيَضْمَنُ أَنَّهُ يَسْتَخْرِجُ مِنْهُمْ ثَلَاثَةَ آلَافِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِاسْتِدْعَاءِ بُجْكُمَ وَإِقَامَتِهِ مَقَامَ ابْنِ رَائِقٍ، فَأَطْمَعَهُ الرَّاضِي وَهُوَ كَارِهٌ لِمَا قَالَهُ، فَعَجَّلَ ابْنُ مُقْلَةَ، وَكَتَبَ إِلَى بُجْكُمَ يُعَرِّفُهُ إِجَابَةَ الرَّاضِي، وَيَسْتَحِثُّهُ عَلَى الْحَرَكَةِ وَالْمَجِيءِ إِلَى بَغْدَاذَ.

وَطَلَبَ ابْنُ مُقْلَةَ مِنَ الرَّاضِي أَنْ يَنْتَقِلَ وَيُقِيمَ عِنْدَهُ بِدَارِ الْخِلَافَةِ إِلَى أَنْ يُتِمَّ عَلَى ابْنِ رَائِقٍ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَحَضَرَ مُتَنَكِّرًا آخِرَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَقَالَ: إِنَّ الْقَمَرَ تَحْتَ الشُّعَاعِ، وَهُوَ يَصْلُحُ لِلْأَسْرَارِ، فَكَانَ عُقُوبَتُهُ حِينَ نَظَرَ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ أَنْ ذَاعَ سِرُّهُ وَشَهُرَ أَمْرُهُ، فَلَمَّا حَصَلَ بِدَارِ الْخَلِيفَةِ لَمْ يُوصِلْهُ الرَّاضِي إِلَيْهِ، وَاعْتَقَلَهُ فِي حُجْرَةٍ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، أَنْفَذَ إِلَى ابْنِ رَائِقٍ يُعَرِّفُهُ الْحَالَ، وَيَعْرِضُ عَلَيْهِ خَطَّ ابْنِ مُقْلَةَ، فَشَكَرَ الرَّاضِي، وَمَا زَالَتِ الرُّسُلُ تَتَرَدَّدُ بَيْنَهُمَا فِي مَعْنَى ابْنِ مُقْلَةَ إِلَى مُنْتَصَفِ شَوَّالٍ، فَأُخْرِجَ ابْنُ مُقْلَةَ مِنْ مَحْبَسِهِ، وَقُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ عُولِجَ فَبَرَأَ، فَعَادَ يُكَاتِبُ الرَّاضِيَ، وَيَخْطُبُ الْوِزَارَةَ، وَيَذْكُرُ [أَنَّ] قَطْعَ يَدِهِ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ عَمَلِهِ، وَكَانَ يَشُدُّ الْقَلَمَ عَلَى يَدِهِ الْمَقْطُوعَةِ وَيَكْتُبُ.

فَلَمَّا قَرُبَ بُجْكُمُ مِنْ بَغْدَاذَ، سَمِعَ الْخَدَمَ يَتَحَدَّثُونَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: إِنْ وَصَلَ بُجْكُمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>