للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ مِنَ الْأَكْرَادِ الْحُمَيْدِيَّةِ، وَكَانَ ابْتِدَاءُ أَمْرِهِ أَنَّهُ كَانَ يَغْزُو بِثُغُورِ دِيَارِ بَكْرٍ كَثِيرًا، وَكَانَ عَظِيمَ الْخِلْقَةِ، لَهُ بَأْسٌ وَشِدَّةٌ، فَلَمَّا مَلَكَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ الْمَوْصِلَ حَضَرَ عِنْدَهُ، فَلَمَّا رَأَى عَضُدَ الدَّوْلَةِ خَافَهُ وَقَالَ: مَا أَظُنُّهُ يُبْقِي عَلَيَّ فَهَرَبَ حِينَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، وَطَلَبَهُ عَضُدُ الدَّوْلَةِ بَعْدَ خُرُوجِهِ لِيَقْبِضَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: لَهُ بَأْسٌ وَشِدَّةٌ، وَفِيهِ شَرٌّ، وَيَجُوزُ الْإِبْقَاءُ عَلَى مِثْلِهِ فَأُخْبِرَ بِهَرَبِهِ فَكَفَّ عَنْ طَلَبِهِ.

وَحَصَلَ بِثُغُورِ دِيَارِ بَكْرٍ، وَأَقَامَ بِهَا إِلَى أَنِ اسْتَفْحَلَ أَمْرُهُ وَقَوِيَ، وَمَلَكَ مَيَّافَارِقِينَ وَكَثِيرًا مِنْ دِيَارِ بَكْرٍ بَعْدَ مَوْتِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ، وَوَصَلَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ إِلَى نَصِيبِينَ، فَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا، فَجَهَّزَ صَمْصَامُ الدَّوْلَةِ إِلَيْهِ الْعَسَاكِرَ مَعَ أَبِي سَعْدٍ بَهْرَامَ بْنِ أَرْدَشِيَرَ، فَوَاقَعَهُ، فَانْهَزَمَ بَهْرَامُ وَأُسِرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَوِيَ أَمْرُ بَاذٍ، فَأَرْسَلَ صَمْصَامُ الدَّوْلَةِ إِلَيْهِ أَبَا الْقَاسِمِ سَعْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْحَاجِبَ فِي عَسْكَرٍ كَثِيرٍ، فَالْتَقَوْا بِبَاجُلَايَا عَلَى خَابُورِ الْحُسَيْنِيَّةِ، مِنْ بَلَدِ كَوَاشَى، وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَانْهَزَمَ سَعْدٌ وَأَصْحَابُهُ، وَاسْتَوْلَى بَاذٌ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الدَّيْلَمِ، فَقَتَلَ وَأَسَرَ، ثُمَّ قَتَلَ الْأَسْرَى صَبْرًا. وَفِي هَذِهِ الْوَقْعَةِ يَقُولُ أَبُو الْحَسَنِ الْبَشْنَوِيُّ:

بِبَاجُلَايَا جَلَوْنَا عَنْهُ غُمَّتَهُ

،

وَنَحْنُ فِي الرَّوْعِ جَلَّاءُونَ لِلْكُرَبِ

(يَعْنِي بَاذًا) ، (وَسَنَذْكُرُ سَبَبَهُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَلَمَّا هَزَمَ بَاذٌ الدَّيْلَمَ وَسَعْدًا، وَفَعَلَ بِهِمْ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، سَبَقَهُ سَعْدٌ فَدَخَلَ الْمَوْصِلَ، وَسَارَ بَاذٌ فِي أَثَرِهِ، فَثَارَ الْعَامَّةُ بِسَعْدٍ لِسُوءِ سِيرَةِ الدَّيْلَمِ فِيهِمْ، فَنَجَا مِنْهُمْ بِنَفْسِهِ، وَدَخَلَ بَاذٌ إِلَى الْمَوْصِلِ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا، وَقَوِيَتْ شَوْكَتُهُ، وَحَدَّثَ نَفْسَهُ بِالتَّغَلُّبِ عَلَى بَغْدَاذَ وَإِزَالَةِ الدَّيْلَمِ عَنْهَا، وَخَرَجَ مِنْ حَدِّ الْمُتَطَرِّفِينَ، وَصَارَ فِي عِدَادِ أَصْحَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>