للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَرِيمَةُ الْخَالِ، تَقْتَصِرُ بِنَسَبِ أَبِيهَا دُونَ فَصِيلَتِهَا، وَبِفَصِيلَتِهَا دُونَ جِمَاعِ قَبِيلَتِهَا، قَدْ أَحْكَمَتْهَا الْأُمُورُ فِي الْأَدَبِ، فَرَأْيُهَا رَأْيُ أَهْلِ الشَّرَفِ، وَعَمَلُهَا عَمَلُ أَهْلِ الْحَاجَةِ، صَنَاعُ الْكَفَّيْنِ، قَطِيعَةُ اللِّسَانِ، رَهْوَةُ الصَّوْتِ، تَزِينُ الْبَيْتَ وَتَشِينُ الْعَدُوَّ، إِنْ أَرَدْتَهَا اشْتَهَتْ، وَإِنْ تَرَكْتَهَا انْتَهَتْ، تُحَمْلِقُ عَيْنَاهَا، وَيَحْمَرُّ خَدَّاهَا، وَتَذَبْذَبُ شَفَتَاهَا، وَتُبَادِرُ الْوَثْبَةَ، وَلَا تَجْلِسُ إِلَّا بِأَمْرِكَ إِذَا جَلَسَتْ.

فَقَبِلَهَا كِسْرَى وَأَمَرَ بِإِثْبَاتِ هَذِهِ الصِّفَةِ، فَبَقِيَتْ إِلَى أَيَّامِ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ. فَقَرَأَ زَيْدٌ هَذِهِ الصِّفَةَ عَلَى النُّعْمَانِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَقَالَ لِزَيْدٍ، وَالرَّسُولُ يَسْمَعُ: أَمَا فِي عَيْنِ السَّوَادِ وَفَارِسَ مَا تَبْلُغُونَ حَاجَتَكُمْ! قَالَ الرَّسُولُ لِزَيْدٍ: مَا الْعَيْنُ؟ قَالَ: الْبَقَرُ.

وَأَنْزَلَهُمَا يَوْمَيْنِ وَكَتَبَ إِلَى كِسْرَى: إِنَّ الَّذِي طَلَبَ الْمَلِكُ لَيْسَ عِنْدِي وَقَالَ لِزَيْدٍ اعْذُرْنِي عِنْدَهُ.

فَلَمَّا عَادَ إِلَى كِسْرَى قَالَ لِزَيْدٍ: أَيْنَ مَا كُنْتَ أَخْبَرْتَنِي بِهِ؟ قَالَ: قَدْ قُلْتُ لِلْمَلِكِ وَعَرَّفْتُهُ بُخْلَهُمْ بِنِسَائِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ وَأَنَّ ذَلِكَ لِشَقَائِهِمْ وَسُوءِ اخْتِيَارِهِمْ، وَسَلْ هَذَا الرَّسُولَ عَنِ الَّذِي قَالَ، فَإِنِّي أُكْرِمُ الْمَلِكَ عَنْ ذَلِكَ. فَسَأَلَ الرَّسُولَ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَالَ: أَمَا فِي بَقَرِ السَّوَادِ وَفَارِسَ مَا يَكْفِيهِ حَتَّى يَطْلُبَ مَا عِنْدَنَا؟ فَعُرِفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ وَقَالَ: رُبَّ عَبْدٍ قَدْ أَرَادَ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ هَذَا فَصَارَ أَمْرُهُ إِلَى التَّبَابِ.

وَبَلَغَ هَذَا الْكَلَامُ النُّعْمَانَ، وَسَكَتَ كِسْرَى عَلَى ذَلِكَ أَشْهُرًا وَالنُّعْمَانُ يَسْتَعِدُّ، حَتَّى أَتَاهُ كِتَابُ كِسْرَى يَسْتَدْعِيهِ. فَحِينَ وَصَلَ الْكِتَابُ أَخَذَ سِلَاحَهُ وَمَا قَوِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>