للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَادَى: يَا ابْنَ الْإِطْنَابَةِ أَغِثْنِي! فَأَتَاهُ عَمْرٌو فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي فُلَانٍ خَرَجْتُ أُرِيدُ بَنِي فُلَانٍ، فَعَرَضَ لِي قَوْمٌ قَرِيبًا مِنْكَ، فَأَخَذُوا مَا كَانَ مَعِي فَارْكَبْ مَعِي حَتَّى نَسْتَنْقِذَهُ. فَرَكِبَ مَعَهُ وَلَبِسَ سِلَاحَهُ وَمَضَى مَعَهُ، فَلَمَّا أَبْعَدَ عَنْ مَنْزِلِهِ عَطَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ: أَنَائِمٌ أَنْتَ أَمْ يَقْظَانُ؟ فَقَالَ: يَقِظَانٌ. فَقَالَ: أَنَا أَبُو لَيْلَى وَسَيْفِيَ الْمَعْلُوبُ، فَأَلْقَى ابْنُ الْإِطْنَابَةِ سَيْفَهُ، وَقِيلَ: رُمْحَهُ، وَقَالَ: قَدْ أَعْجَلْتَنِي فَأَمْهِلْنِي حَتَّى آخُذَ سَيْفِي. فَقَالَ: خُذْهُ. قَالَ: أَخَافُ أَنْ تَعْجِلَنِي عَنْ أَخْذِهِ. قَالَ: لَكَ ذِمَّةُ ظَالِمٍ لَا أُعْجِلُكَ عَنْ أَخْذِهِ.

قَالَ: فَوَذِمَّةِ الْإِطْنَابَةِ لَا آخُذُهُ! فَانْصَرَفَ الْحَارِثُ وَهُوَ يَقُولُ أَبْيَاتًا، مِنْهَا:

بَلَغَتْنَا مَقَالَةُ الْمَرْءِ عَمْرٍو ... فَالْتَقَيْنَا وَكَانَ ذَاكَ بَدِيًّا

فَهَمَمْنَا بِقَتْلِهِ إِذْ بَرَزْنَا ... وَوَجَدْنَاهُ ذَا سِلَاحٍ كَمِيَّا

غَيْرَ مَا نَائِمٍ يُرَوَّعُ بِالْفَتْ ... كِ وَلَكِنْ مُقَلَّدًا مَشْرَفِيَّا

فَمَنَنَّا عَلَيْهِ بَعْدَ عُلُوٍّ ... بِوَفَاءٍ وَكُنْتُ قِدْمًا وَفِيَّا

ثُمَّ إِنَّ الْحَارِثَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ النُّعْمَانَ قَدْ جَدَّ فِي طَلَبِهِ، وَهَوَازِنَ لَا تَقْعُدُ عَنِ الطَّلَبِ بِثَأْرِ خَالِدٍ، خَرَجَ مُتَنَكِّرًا إِلَى الشَّامِ وَاسْتَجَارَ بِيَزِيدَ بْنِ عَمْرٍو، فَأَكْرَمَهُ وَأَجَارَهُ. وَكَانَ لِيَزِيدَ نَاقَةٌ مُحْمَاةٌ، فِي عُنُقِهَا مُدْيَةٌ وَزِنَادٌ وَمُلَحٌ لِيَمْتَحِنَ بِذَلِكَ رَعِيَّتَهُ، فَوَحِمَتْ زَوْجَةُ الْحَارِثِ وَاشْتَهَتْ شَحْمًا وَلَحْمًا، فَأَخَذَ الْحَارِثُ النَّاقَةَ فَأَدْخَلَهَا شِعْبًا فَذَبَحَهَا، وَحَمَلَ إِلَى امْرَأَتِهِ مِنْ شَحْمِهَا وَلَحْمِهَا وَرَفَعَ مِنْهُ. وَفُقِدَتِ النَّاقَةُ فَطُلِبَتْ فَوُجِدَتْ عَقِيرَةً بِالْوَادِي، فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ إِلَى كَاهِنٍ فَسَأَلَهُ عَنْهَا، فَذَكَرَ لَهُ أَنَّ الْحَارِثَ نَحَرَهَا، فَأَرْسَلَ امْرَأَةً بِطِيبٍ تَشْتَرِي مِنْ لَحْمِهَا مِنَ امْرَأَةِ الْحَارِثِ، فَأَدْرَكَهَا الْحَارِثُ وَقَدِ اشْتَرَتِ اللَّحْمَ فَقَتَلَهَا وَدَفَنَهَا فِي الْبَيْتِ. فَسَأَلَ الْمَلِكُ الْكَاهِنَ عَنِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ: قَتَلَهَا مَنْ نَحَرَ النَّاقَةَ، وَإِذَا كَرِهْتَ أَنْ تُفَتِّشَ بَيْتَهُ فَتَأْمُرُ الرَّجُلَ بِالرَّحِيلِ، فَإِذَا رَحَلَ فَتَّشْتُ بَيْتَهُ. فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا رَحَلَ الْحَارِثُ فَتَّشَ الْكَاهِنُ بَيْتَهُ فَوَجَدَ الْمَرْأَةَ، وَأَحَسَّ الْحَارِثُ بِالشَّرِّ فَعَادَ إِلَى الْكَاهِنِ فَقَتَلَهُ، فَأُخِذَ

<<  <  ج: ص:  >  >>