للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظَنَّ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، وَحَمَلَ لَهُ الْأَقْوَاتَ وَالسِّلَاحَ وَالدَّوَابَّ وَسَائِرَ أَمْتِعَةِ الْخَزَائِنِ، وَقَدَّمَهُ حَتَّى عَلَى نَفْسِهِ، وَفَعَلَ مَعَهُ مَا يَفْعَلُ أَكَابِرُ الْمُلُوكِ.

وَلَمَّا سَمِعَ الْمُسْتَرْشِدُ بِاللَّهِ بِقَبْضِهِ بِدِمَشْقَ أَرْسَلَ سَدِيدَ الدَّوْلَةِ بْنَ الْأَنْبَارِيِّ وَأَبَا بَكْرِ بْنَ بِشْرٍ الْجَزَرِيَّ مِنْ جَزِيرَةِ ابْنِ عُمَرَ إِلَى تَاجِ الْمُلُوكِ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يُسَلِّمَ دُبَيْسًا إِلَيْهِ لِمَا كَانَ مُتَحَقَّقًا بِهِ مِنْ عَدَاوَةِ الْخَلِيفَةِ، فَسَمِعَ سَدِيدُ الدَّوْلَةِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ بِتَسَلُّمِهِ إِلَى عِمَادِ الدِّينِ وَهُوَ فِي الطَّرِيقِ، فَسَارَ إِلَى دِمَشْقَ وَلَمْ يَرْجِعْ، وَذَمَّ أَتَابَكْ زَنْكِي بِدِمَشْقَ وَاسْتَخَفَّ بِهِ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ عِمَادَ الدِّينِ، فَأَرْسَلَ إِلَى طَرِيقِهِ مَنْ يَأْخُذُهُ إِذَا عَادَ، فَلَمَّا رَجَعَ مِنْ دِمَشْقَ قَبَضُوا عَلَيْهِ وَعَلَى ابْنِ بِشْرٍ، وَحَمَلُوهُمَا إِلَيْهِ، فَأَمَّا ابْنُ بِشْرٍ فَأَهَانَهُ وَجَرَى فِي حَقِّهِ مَكْرُوهٌ، وَأَمَّا ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فَسَجَنَهُ.

ثُمَّ إِنَّ الْمُسْتَرْشِدَ بِاللَّهِ شَفَعَ فِيهِ فَأُطْلِقَ، وَلَمْ يَزَلْ دُبَيْسٌ مَعَ زَنْكِي حَتَّى انْحَدَرَ مَعَهُ إِلَى الْعِرَاقِ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ذِكْرُ وَفَاةِ السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ وَمُلْكِ ابْنِهِ دُوَادَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي شَوَّالٍ تُوُفِّيَ السُّلْطَانُ مَحْمُودُ ابْنُ السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ بِهَمَذَانَ، وَكَانَ قَبْلَ مَرَضِهِ قَدْ خَافَ وَزِيرُهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْأَنْسَابَاذِيُّ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَأَعْيَانِ الدَّوْلَةِ، وَمِنْهُمْ: عَزِيزُ الدِّينِ أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ حَامِدٍ الْمُسْتَوْفِي، وَالْأَمِيرُ أَنُوشْتُكِينَ الْمَعْرُوفُ بِشِيرْكِيرْ، وَوَلَدُهُ عُمَرُ، وَهُوَ أَمِيرُ حَاجِبِ السُّلْطَانِ، وَغَيْرُهُمْ، فَأَمَّا عَزِيزُ الدِّينِ فَأَرْسَلَهُ مَقْبُوضًا عَلَيْهِ إِلَى مُجَاهِدِ الدِّينِ بَهْرُوزَ بِتَكْرِيتَ، ثُمَّ قُتِلَ بِهَا، وَأَمَّا شِيرْكِيرْ وَوَلَدُهُ فَقُتِلَا فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ.

ثُمَّ إِنَّ السُّلْطَانَ مَرِضَ وَتُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ، وَأُقْعِدَ وَلَدَهُ دُوَادُ فِي السَّلْطَنَةِ بِاتِّفَاقٍ مِنَ الْوَزِيرِ أَبِي الْقَاسِمِ، وَأَتَابَكِهِ آقَسُنْقَرَ الْأَحْمَدِيلِيِّ، وَخُطِبَ لَهُ فِي جَمِيعِ بِلَادِ الْجَبَلِ وَأَذْرَبِيجَانَ، وَوَقَعَتِ الْفِتْنَةُ بِهَمَذَانَ وَسَائِرِ بِلَادِ الْجَبَلِ، ثُمَّ سَكَنَتْ، فَلَمَّا اطْمَأَنَّ النَّاسُ وَسَكَنُوا سَارَ الْوَزِيرُ بِأَمْوَالِهِ إِلَى الرَّيِّ، فَأَمِنَ فِيهَا حَيْثُ هِيَ لِلسُّلْطَانِ سَنْجَرَ.

وَكَانَ عُمْرُ السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ لَمَّا تُوُفِّيَ نَحْوَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>