للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَلِكِ أَلْبْ أَرْسِلَانْ مَحْمُودٍ الَّذِي مَعَ أَتَابَكْ زَنْكِي، فَرَحَلَ عَنْهَا لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ جُمَادَى الْأُولَى مِنَ السَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ.

ذِكْرُ قَتْلِ حَسَنِ بْنِ الْحَافِظِ

قَدْ ذَكَرْنَا سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمَائَةٍ أَنَّ الْحَافِظَ لِدِينِ اللَّهِ صَاحِبَ مِصْرَ اسْتَوْزَرَ ابْنَهُ حَسَنًا، وَخَطَبَ لَهُ بِوِلَايَةِ الْعَهْدِ، فَبَقِيَ إِلَى هَذِهِ السَّنَةِ، وَمَاتَ مَسْمُومًا، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ أَبَاهُ الْحَافِظَ - وَكَانَ جَرِيئًا عَلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ - وَكَانَ فِي نَفْسِ الْحَافِظِ عَلَى الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ أَعَانُوا أَبَا عَلِيِّ بْنَ الْأَفْضَلِ حِقْدٌ، وَيُرِيدُ الِانْتِقَامَ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَاشِرَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، فَأَمَرَ ابْنَهُ حَسَنًا بِذَلِكَ، فَتَغَلَّبَ عَلَى الْأَمْرِ جَمِيعِهِ وَاسْتَبَدَّ بِهِ، وَلَمْ يَبْقَ لِأَبِيهِ مَعَهُ حُكْمٌ، وَقَتَلَ مِنَ الْأُمَرَاءِ الْمِصْرِيِّينَ وَمِنْ أَعْيَانِ الْبِلَادِ أَيْضًا، حَتَّى إِنَّهُ قَتَلَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ أَرْبَعِينَ أَمِيرًا.

فَلَمَّا رَأَى أَبُوهُ تَغَلُّبَهُ عَلَيْهِ أَخْرَجَ لَهُ خَادِمًا مِنْ خَدَمِ الْقَصْرِ الْأَكَابِرِ، فَجَمَعَ الْجُمُوعَ، وَحَشَدَ مِنَ الرَّجَّالَةِ خَلْقًا كَثِيرًا، وَتَقَدَّمَ إِلَى الْبَلَدِ، فَأَخْرَجَ إِلَيْهِمْ حَسَنٌ جَمَاعَةً مِنْ خَوَاصِّهِ وَأَصْحَابِهِ، فَقَاتَلُوهُمْ فَانْهَزَمَ الْخَادِمُ، وَقُتِلَ مِنَ الرَّجَّالَةِ الَّذِينَ مَعَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ.

وَعَبَرَ الْبَاقُونَ إِلَى بَرِ الْجَزِيرَةِ، فَاسْتَكَانَ الْحَافِظُ، فَصَبَرَ تَحْتَ الْحَجْرِ.

ثُمَّ إِنَّ الْبَاقِينَ مِنَ الْأُمَرَاءِ الْمِصْرِيِّينَ اجْتَمَعُوا، وَاتَّفَقُوا عَلَى قَتْلِ حَسَنٍ، وَأَرْسَلُوا إِلَى أَبِيهِ الْحَافِظِ، وَقَالُوا لَهُ:

إِمَّا أَنَّكَ تُسَلِّمُ ابْنَكَ إِلَيْنَا لِنَقْتُلَهُ أَوْ نَقْتُلَكُمَا جَمِيعًا، فَاسْتَدْعَى وَلَدَهُ إِلَيْهِ وَاحْتَاطَ عَلَيْهِ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْأُمَرَاءِ بِذَلِكَ، فَقَالُوا: لَا نَرْضَى إِلَّا بِقَتْلِهِ.

فَرَأَى أَنَّهُ إِنْ سَلَّمَهُ إِلَيْهِمْ طَمِعُوا فِيهِ، وَلَيْسَ إِلَى إِبْقَائِهِ سَبِيلٌ، فَأَحْضَرَ طَبِيبَيْنِ كَانَا لَهُ، أَحَدَهُمَا مُسْلِمٌ وَالْآخِرُ يَهُودِيٌّ، فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ:

نُرِيدُ سُمًّا نَسْقِيهِ لِهَذَا الْوَلَدِ لِيَمُوتَ وَنُخَلُصَ مِنْ هَذِهِ الْحَادِثَةِ. فَقَالَ:

أَنَا لَا أَعْرِفُ غَيْرَ النُّقُوعِ وَمَاءِ الشَّعِيرِ وَمَا شَاكَلَ هَذَا مِنَ الْأَوْدِيَةِ. فَقَالَ:

أَنَا أُرِيدُ مَا أَخْلُصُ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْمُصِيبَةِ. فَقَالَ لَهُ:

لَا أَعْرِفُ شَيْئًا، فَأَحْضَرَ الطَّبِيبَ الْمُسْلِمَ وَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَصَنَعَ لَهُ شَيْئًا، فَسَقَاهُ الْوَلَدَ فَمَاتَ لِوَقْتِهِ، فَأَرْسَلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>