للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِشْرِينَ طَعْنَةً. وَكَانَ عَامِرٌ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَتَعَهَّدُ النَّاسَ فَيَقُولُ: يَا فُلَانُ مَا رَأَيْتُكَ فَعَلْتَ شَيْئًا، فَمَنْ أَبْلَى فَلْيُرِنِي سَيْفَهُ أَوْ رُمْحَهُ، وَمَنْ لَمْ يُبْلِ شَيْئًا تَقَدَّمَ فَأَبْلَى، فَكَانَ كُلُّ مَنْ أَبْلَى بَلَاءً حَسَنًا أَتَاهُ، فَأَرَاهُ الدَّمَ عَلَى سِنَانِ رُمْحِهِ أَوْ سَيْفِهِ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنَ الْحَارِثِيِّينَ اسْمُهُ مُسْهِرٌ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَلِيٍّ انْظُرْ مَا صَنَعْتُ بِالْقَوْمِ! انْظُرْ إِلَى رُمْحِي! فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَيْهِ عَامِرٌ لِيَنْظُرَ، وَجَأَهُ بِالرُّمْحِ فِي وَجْنَتِهِ فَفَلَقَهَا وَفَقَأَ عَيْنَهُ وَتَرَكَ رُمْحَهُ وَعَادَ إِلَى قَوْمِهِ. وَإِنَّمَا دَعَاهُ إِلَى ذَلِكَ مَا رَآهُ يَفْعَلُ بِقَوْمِهِ، فَقَالَ: هَذَا وَاللَّهِ مُبِيرُ قَوْمِي! فَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ:

أَتَوْنَا بِشَهْرَانَ الْعَرِيضَةِ كُلِّهَا ... وَأَكْلُبَ طُرًّا فِي جِيَادِ السَّنَوَّرِ

لَعَمْرِي وَمَا عَمْرِي عَلَيَّ بِهَيِّنٍ ... لَقَدْ شَانَ حُرَّ الْوَجْهِ طَعْنَةَ مُسْهِرِ

فَبِئْسَ الْفَتَى أَنْ كُنَتَ أَعْوَرَ عَاقِرًا ... جَبَانًا وَمَا أَغْنَى لَدَى كُلِّ مَحْضَرِ

وَأَسَرَتْ بَنُو عَامِرٍ يَوْمَئِذٍ سَيِّدَ مُرَادٍ جَرِيحًا، فَلَمَّا بَرَأَ مِنْ جِرَاحَتِهِ أُطْلِقَ.

وَمِمَّنْ أَبْلَى يَوْمَئِذٍ أَرْبَدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ حُرِّ بْنِ خَالِدِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَعُبَيْدُ بْنُ شُرَيْحِ بْنِ الْأَحْوَصِ بْنِ جَعْفَرٍ.

وَقَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَيُقَالُ إِنَّهَا لِعَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ:

أَتَوْنَا بِشَهْرَانَ الْعَرِيضَةِ كُلِّهَا ... وَأَكْلُبُهَا فِي مِثْلِ بَكْرِ بْنِ وَائِلِ

فَبِتْنَا وَمَنْ يَنْزِلْ بِهِ مِثْلُ ضَيْفِنَا ... يَبِتْ عَنْ قِرَى أَضْيَافِهِ غَيْرَ غَافِلِ

أَعَاذِلُ لَوْ كَانَ الْبِدَادُ لَقُوبِلُوا ... وَلَكِنْ أَتَانَا كُلُّ جِنٍّ وَخَابِلِ

وَخَثْعَمُ حَيٌّ يُعْدَلُونَ بِمَذْحِجٍ فَهَلْ ... نَحْنُ إِلَّا مِثْلُ إِحْدَى الْقَبَائِلِ

وَأَسْرَعَ الْقَتْلُ فِي الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، ثُمَّ إِنَّهُمُ افْتَرَقُوا وَلَمْ يَشْتَغِلْ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ بِغَنِيمَةٍ، وَكَانَ الصَّبْرُ فِيهَا وَالشَّرَفُ لِبَنِي عَامِرٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>