للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِلَى صَلَاحِ الدِّينِ أَشْكُو أَنَّنِي ... مِنْ بَعْدِهِ مُضْنَى الْجَوَانِحِ مُولَعُ

جَزِعًا لِبُعْدِ الدَّارِ مِنْهُ وَلَمْ أَكُنْ ... لَوْلَا هَوَاهُ لِبُعْدِ دَارٍ أَجْزَعُ

فَلَأَرْكَبَنَّ إِلَيْهِ مَتْنَ عَزَائِمِي ... وَيَخُبُّ بِي رَكْبُ الْغَرَامِ وَيُوسِعُ

وَلَأَقْطَعَنَّ مِنَ النَّهَارِ هَوَاجِرًا ... قَلْبُ النَّهَارِ بِحَرِّهَا يَتَقَطَّعُ

وَلَأُسْرِيَنَّ اللَّيْلَ لَا يَسْرِي بِهِ ... طَيْفُ الْخَيَالِ وَلَا الْبَرْوَقُ اللُّمَّعُ

وَأُقَدِّمَنَّ إِلَيْهِ قَلْبِي مُخْبِرًا ... أَنِّي بِجِسْمِي مِنْ قَرِيبٍ أَتْبَعُ

حَتَّى أُشَاهِدَ مِنْهُ أَسْعَدَ طَلْعَةٍ ... مِنْ أُفُقِهَا صُبْحُ السَّعَادَةِ يَطْلُعُ

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي الْمُحَرَّمِ، بَرَزَ صَلَاحُ الدِّينِ مِنْ دِمَشْقَ، وَقَدْ عَظُمَ شَأْنُهُ بِمَا مَلَكَهُ مِنْ بِلَادِ الشَّامِ، وَبِكَسْرِهِ عَسْكَرَ الْمَوْصِلِ، فَخَافَهُ الْفِرِنْجُ وَغَيْرُهُمْ، وَعَزَمَ عَلَى دُخُولِ بَلَدِهِمْ وَنَهْبِهِ وَالْإِغَارَةِ عَلَيْهِ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ يَطْلُبُونَ الْهُدْنَةَ مَعَهُ، فَأَجَابَهُمْ إِلَيْهَا وَصَالَحَهُمْ، فَأَمْرَ الْعَسَاكِرَ الْمِصْرِيَّةَ بِالْعُوْدِ إِلَى مِصْرَ وَالِاسْتِرَاحَةِ إِلَى أَنْ يُعَاوِدَ طَلَبَهُمْ، وَشَرَّطَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ مَتَى أَرْسَلَ يَسْتَدْعِيهِمْ لَا يَتَأَخَّرُونَ، فَسَارُوا إِلَيْهَا وَأَقَامُوا بِهَا إِلَى أَنِ اسْتَدْعَاهُمْ لِلْحَرْبِ مَعَ سَيْفِ الدِّينِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ.

[الْوَفَيَاتُ] وَفِيهَا مَاتَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَسَاكِرَ الْبِطَائِحِيُّ الْمُقْرِئُ، وَكَانَ قَدْ سَمِعَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ وَرَوَاهُ، وَكَانَ نَحْوِيًّا جَيِّدًا.

وَفِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْهَا تُوُفِّيَ أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الرَّزَّازِ، سَمِعَ الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ، وَلَهُ شِعْرٌ جَيِّدٌ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ أَصْدِقَائِهِ مُكَاتَبَةً وَضَمَّنَهَا شِعْرًا، فَأَجَابَهُ:

يَا مَنْ أَيَادِيهِ تُغْنِي مَنْ يُعَدِّدُهَا ... وَلَيْسَ يُحْصِي مَدَاهَا مَنْ لَهَا يَصِفُ

عَجَزْتُ عَنْ شُكْرِ مَا أَوْلَيْتَ مِنْ كَرَمٍ ... وَصِرْتُ عَبْدًا وَلِي فِي ذَلِكَ الشَّرَفُ

أَهْدَيْتَ مَنْظُومَ شِعْرٍ كُلَّهُ دُرَرٌ ... فَكُلُّ نَاظِمِ عِقْدٍ دُونَهُ يَقِفُ

إِذَا أَتَيْتَ بِبَيْتٍ مِنْهُ كَانَ لَنَا ... قَصْرًا وَدُرُّ الْمَعَانِي فَوْقَهُ شُرَفُ

وَإِنْ أَتَيْتُ أَنَا بَيْتًا يُنَاقِضُهُ ... أَتَيْتُ لَكِنْ بِبَيْتٍ سَقْفُهُ يَكِفُّ

مَا كُنْتُ مِنْهُ وَلَا مِنْ أَهْلِهِ أَبَدًا ... وَإِنَّمَا حِينَ أَدْنُو مِنْهُ أَقْتَطِفُ

وَقِيلَ كَانَتْ وَفَاتُهُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>