للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّيْلَةَ أَشَدُّ مِنْ هَذَا، أَدْخُلُ عَلَى غَيْرِ زَوْجِي! ثُمَّ عَادَتْ فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَخُوهَا فَقَالَ لَهَا: هَلْ عِنْدَكِ مِنْ خَبَرٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَمَا عِنْدَكَ؟ قَالَ: أَدْخُلُ مَعَ النِّسَاءِ فَإِذَا خَرَجْنَ وَدَخَلَ عَلَيْكِ قَتَلْتُهُ. قَالَتِ: افْعَلْ. فَلَمَّا ذَهَبَ بِهَا النِّسَاءُ إِلَى الْفِطْيَوْنِ انْطَلَقَ مَالِكٌ مَعَهُنَّ فِي زِيِّ امْرَأَةٍ وَمَعَهُ سَيْفُهُ، فَلَمَّا خَرَجَ النِّسَاءُ مِنْ عِنْدِهَا وَدَخَلَ عَلَيْهَا الْفِطْيَوْنُ قَتَلَهُ مَالِكٌ وَخَرَجَ هَارِبًا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ أَبْيَاتٍ:

هَلْ كَانَ لِلْفِطْيَوْنِ عُقْرُ نِسَائِكُمْ ... حُكْمَ النَّصِيبِ فَبِئْسَ حُكْمُ الْحَاكِمِ

حَتَّى حَبَاهُ مَالِكٌ بِمُرِشَّةٍ ... حَمْرَاءَ تَضْحَكُ عَنْ نَجِيعٍ قَاتِمِ

ثُمَّ خَرَجَ مَالِكُ بْنُ الْعَجْلَانِ هَارِبًا حَتَّى دَخَلَ الشَّامَ، فَدَخَلَ عَلَى مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ غَسَّانَ يُقَالُ لَهُ أَبُو جُبَيْلَةَ، وَاسْمُهُ عُبَيْدُ بْنُ سَالِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمٍ، وَهُوَ أَحَدُ بَنِي غَضْبِ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَكَانَ قَدْ مَلَكَهُمْ وَشَرُفَ فِيهِمْ.

وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَلِكًا وَإِنَّمَا كَانَ عَظِيمًا عِنْدَ مَلِكِ غَسَّانَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ مُلُوكَ غَسَّانَ لَمْ يُعْرَفْ فِيهِمْ هَذَا، وَهُوَ أَيْضًا مِنَ الْخَزْرَجِ عَلَى مَا ذُكِرَ.

فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ مَالِكٌ شَكَا إِلَيْهِ مَا كَانَ مِنَ الْفِطْيَوْنِ، وَأَخْبَرَهُ بِقَتْلِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الرُّجُوعِ، فَعَاهَدَ اللَّهَ أَبُو جُبَيْلَةَ أَلَّا يَمَسَّ طِيبًا وَلَا يَأْتِيَ النِّسَاءَ حَتَّى يُذِلَّ الْيَهُودَ، وَيَكُونَ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ أَعَزَّ أَهْلِهَا.

ثُمَّ سَارَ مِنَ الشَّامِ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ، وَأَظْهَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ الْيَمَنَ، حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ بِذِي حُرُضٍ، وَأَعْلَمَ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ مَا عَزَمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى وُجُوهِ الْيَهُودِ يَسْتَدْعِيهِمْ إِلَيْهِ، وَأَظْهَرَ لَهُمْ أَنَّهُ يُرِيدُ الْإِحْسَانَ إِلَيْهِمْ، فَأَتَاهُ أَشْرَافُهُمْ فِي حَشَمِهِمْ وَخَاصَّتِهِمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا بِبَابِهِ أَمَرَ بِهِمْ فَأُدْخِلُوا رَجُلًا رَجُلًا وَقَتَلَهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ. فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ صَارَتِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ أَعَزَّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَشَارَكُوا الْيَهُودَ فِي النَّخْلِ وَالدُّورِ، وَمَدَحَ الرَّمْقُ بْنُ زَيْدٍ الْخَزْرَجِيُّ أَبَا جُبَيْلَةَ بِقَصِيدَةٍ، مِنْهَا:

وَأَبُو جُبَيْلَةَ خَيْرُ مَنْ ... يَمْشِي وَأَوْفَاهُمْ يَمِينَا

<<  <  ج: ص:  >  >>