للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَكْرِ بْنِ الْبَهْلَوَانِ، وَكَانَ عَلَى عَادَتِهِ مَشْغُولًا بِالشُّرْبِ لَيْلًا وَنَهَارًا، لَا يُفِيقُ، وَلَا يَصْحُو وَلَا يَنْظُرُ فِي أَمْرِ مَمْلَكَتِهِ وَرَعِيَّتِهِ وَجُنْدِهِ، قَدْ أَلْقَى الْجَمِيعَ عَنْ قَلْبِهِ، وَسَلَكَ طَرِيقَ مَنْ لَيْسَ لَهُ عَلَاقَةٌ، وَكَانَ أَهْلُ تِلْكَ الْبِلَادِ قَدْ أَكْثَرَتِ الِاسْتِغَاثَةَ بِهِ، وَإِعْلَامَهُ بِقَصْدِ الْكُرْجِ بِلَادَهُمْ بِالْغَارَةِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فَكَأَنَّهُمْ يُنَادُونَ صَخْرَةً صَمَّاءَ، فَلَمَّا حَصَرَ الْكُرْجُ هَذِهِ السَّنَةَ مَدِينَةَ دُوِينَ، سَارَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ يَسْتَغِيثُونَ، فَلَمْ يُغِثْهُمْ وَخَوَّفَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أُمَرَائِهِ عَاقِبَةَ إِهْمَالِهِ وَتَوَانِيهِ وَإِصْرَارِهِ عَلَى مَا هُوَ فِيهِ فَلَمْ يُصْغِ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا طَالَ الْأَمْرُ عَلَى أَهْلِهَا ضَعُفُوا، وَعَجَزُوا، وَأَخَذَهُمُ الْكُرْجُ عَنْوَةً بِالسَّيْفِ وَفَعَلُوا مَا ذَكَرْنَا.

ثُمَّ إِنَّ الْكُرْجَ بَعْدَ أَنِ اسْتَقَرَّ أَمْرُهُمْ بِهَا أَحْسَنُوا إِلَى مَنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِهَا، فَاللَّهُ - تَعَالَى - يَنْظُرُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، وَيُسَهِّلُ لِثُغُورِهِمْ مَنْ يَحْفَظُهَا وَيَحْمِيهَا، فَإِنَّهَا مُسْتَبَاحَةٌ، لَا سِيَّمَا هَذِهِ النَّاحِيَةِ - فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ - فَلَقَدْ بَلَغَنَا مِنْ فِعْلِ الْكُرْجِ بِأَهْلِ دُوِينَ مِنَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَالْأَمْرِ مِمَّا تَقْشَعِرُّ مِنْهُ الْجُلُودُ.

ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَحْضَرَ الْمَلِكُ الْعَادِلُ مُحَمَّدًا وَلَدَ الْعَزِيزِ صَاحِبَ مِصْرَ إِلَى الرُّهَا، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا قَطَعَ خُطْبَتَهُ مِنْ مِصْرَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ [وَخَمْسِمِائَةٍ]- كَمَا ذَكَرْنَاهُ - خَافَ شِيعَةَ أَبِيهِ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَيْهِ، وَيَصِيرَ لَهُ مَعَهُمْ فِتْنَةٌ، فَأَخْرَجَهُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ إِلَى دِمَشْقَ، ثُمَّ نَقَلَهُ هَذِهِ السَّنَةَ إِلَى الرُّهَا، فَأَقَامَ بِهَا وَمَعَهُ جَمِيعُ إِخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ وَوَالِدَتُهُ وَمَنْ يَخُصُّهُ.

[الْوَفَيَاتُ]

وَفِيهَا، فِي رَجَبٍ، تُوُفِّيَ الشَّيْخُ وَجِيهُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودٍ الْمَرْوَرُوذِيُّ، الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ. وَهَذَا الَّذِي كَانَ السَّبَبَ فِي أَنْ صَارَ وَحِيدُ الدِّينِ شَافِعِيًّا.

وَفِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا تُوُفِّيَ أَبُو الْفُتُوحِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْمُعَمَّرِ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْمُسْتَمْلِي بِبَغْدَادَ. وَلَهُ خَطٌّ حَسَنٌ.

وَفِي رَبِيعٍ الْآخِرِ تُوُفِّيَتْ زُمُرُّدُ خَاتُونْ أُمُّ الْخَلِيفَةِ النَّاصِرِ لِدِينِ اللَّهِ، وَأُخْرِجَتْ جِنَازَتُهَا ظَاهِرَةً، وَصَلَّى الْخَلْقُ الْكَثِيرُ عَلَيْهَا، وَدُفِنَتْ فِي التُّرْبَةِ الَّتِي بَنَتْهَا لِنَفْسِهَا، وَكَانَتْ كَثِيرَةَ الْمَعْرُوفِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>