للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَسَارُوا هُمْ فَسَبَقُوهُ، فَنَزَلَ عَلَى بَيْسَانَ مِنَ الْأُرْدُنِّ، فَتَقَدَّمَ الْفِرِنْجُ إِلَيْهِ فِي شَعْبَانَ عَازِمِينَ عَلَى مُحَارَبَتِهِ لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُ فِي قِلَّةٍ مِنَ الْعَسْكَرِ، لِأَنَّ الْعَسَاكِرَ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً فِي الْبِلَادِ.

فَلَمَّا رَأَى الْعَادِلُ قُرْبَهُمْ مِنْهُ لَمْ يَرَ أَنْ يَلْقَاهُمْ فِي الطَّائِفَةِ الَّتِي مَعَهُ، خَوْفًا مِنْ هَزِيمَةٍ تَكُونُ عَلَيْهِ، وَكَانَ حَازِمًا، كَثِيرَ الْحَذَرِ، فَفَارَقَ بَيْسَانَ نَحْوَ دِمَشْقَ لِيُقِيمَ بِالْقُرْبِ مِنْهَا، وَيُرْسِلَ إِلَى الْبِلَادِ وَيَجْمَعَ الْعَسَاكِرَ، فَوَصَلَ إِلَى مَرْجِ الصُّفَّرِ فَنَزَلَ فِيهِ.

وَكَانَ أَهْلُ بَيْسَانَ، وَتِلْكَ الْأَعْمَالِ، لَمَّا رَأَوُا الْمَلِكَ الْعَادِلَ عِنْدَهُمُ اطْمَأَنُّوا، فَلَمْ يُفَارِقُوا بِلَادَهُمْ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ الْفِرِنْجَ لَا يُقْدِمُونَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَقْدَمُوا سَارَ عَلَى غَفْلَةٍ مِنَ النَّاسِ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّجَاةِ إِلَّا الْقَلِيلُ، فَأَخَذَ الْفِرِنْجُ كُلَّ مَا فِي بَيْسَانَ مِنْ ذَخَائِرَ قَدْ جُمِعَتْ، وَكَانَتْ كَثِيرَةً، وَغَنِمُوا شَيْئًا كَثِيرًا، وَنَهَبُوا الْبِلَادَ مِنْ بَيْسَانَ إِلَى بَانِيَاسَ، وَبَثُّوا السَّرَايَا فِي الْقُرَى فَوَصَلَتْ إِلَى خِسْفِينَ وَنَوَى وَأَطْرَافِ الْبِلَادِ، وَنَازَلُوا بَانِيَاسَ، وَأَقَامُوا عَلَيْهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ عَادُوا عَنْهَا إِلَى مَرْجِ عَكَّا وَمَعَهُمْ مِنَ الْغَنَائِمِ وَالسَّبْيِ وَالْأَسْرَى مَا لَا يُحْصَى كَثْرَةً، سِوَى مَا قَتَلُوا، وَأَحْرَقُوا، وَأَهْلَكُوا، فَأَقَامُوا أَيَّامًا اسْتَرَاحُوا خِلَالَهَا.

ثُمَّ جَاءُوا إِلَى صُورَ، وَقَصَدُوا بَلَدَ الشَّقِيفِ، وَنَزَلُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَانِيَاسَ مِقْدَارَ فَرْسَخَيْنِ، فَنَهَبُوا الْبِلَادَ: صَيْدَا وَالشَّقِيفَ، وَعَادُوا إِلَى عَكَّا، وَكَانَ هَذَا مِنْ نِصْفِ رَمَضَانَ إِلَى الْعِيدِ، وَالَّذِي سَلِمَ مِنْ تِلْكَ الْبِلَادِ كَانَ مُخِفًّا حَتَّى قَدَرَ عَلَى النَّجَاةِ.

وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الْعَادِلَ لِمَا سَارَ إِلَى مَرْجِ الصُّفَّرِ رَأَى فِي طَرِيقِهِ رَجُلًا يَحْمِلُ شَيْئًا، وَهُوَ يَمْشِي تَارَةً، وَتَارَةً يَقْعُدُ لِيَسْتَرِيحَ، فَعَدَلَ الْعَادِلُ إِلَيْهِ وَحْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا شَيْخُ لَا تَعْجَلْ، وَارْفُقْ بِنَفْسِكَ فَعَرَفَهُ الرَّجُلُ، فَقَالَ: يَا سُلْطَانُ الْمُسْلِمِينَ! أَنْتَ لَا تَعْجَلْ، فَإِنَّا إِذَا رَأَيْنَاكَ قَدْ سِرْتَ إِلَى بِلَادِكِ وَتَرَكْتَنَا مَعَ الْأَعْدَاءِ كَيْفَ لَا نَعْجَلُ!

وَبِالْجُمْلَةِ الَّذِي فَعَلَهُ الْعَادِلُ هُوَ الْحَزْمُ وَالْمُصْلِحَةُ لِئَلَّا يُخَاطِرَ بِاللِّقَاءِ عَلَى حَالِ تَفَرُّقٍ مِنَ الْعَسَاكِرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>